حقيقة له والعلوم كلها ضرورية والنظر تردد في أنحاء العلوم الضرورية والعلم المسمى ضروريا هو الذي يهجم العقل عليه من غير فكر والنظر الأول الذي يلي [البديهي] الهجمي هو الذي يحوج إلى أدنى فكر وتجريد تفكر العقل نحو المطلوب ثم [ينبني] على الدرجة الأولى ثانية وعلى الثانية ثالثة فالسوابق تلتحق بالضروريات الهجميات.
٨١١- ولا بد من ضرب مثال يستعين به الناظر في هذه المسألة وفي نظائرها إذا انجر الكلام إلى الأدلة القطعية فنقول إذا تغير الجوهر فتغيره مدرك معلوم من غير مسيس الحاجة إلى فكر ثم يربط هذا الناظر فكره بأن هذا التغير جائز هو أم واجب فنعلم على القرب جوازه ولا ينتصب عليه شيء يتعلق بالجواز ولكن الطالب بفكره يدرك وهو ممثل بما يتأتى بناظر البصر بعض التأتي فإنه قد يحدق نحو بصره قليلا ثم إذا أدركه التحق بالمدركات التي تقرب منه ثم إذا علم جوازه فكر في أنه يقع بنفسه أم يستند إلى مقتض فيترتب عليه غير بعيد ويعلم على اضطرار أن الجائز لا يقع من غير مقتض ويلتحق هذا بالمراتب الضرورية ثم يفكر في تعيين المقتضى إلى حيث ينتهي نظره.
٨١٢- ومثال ذلك في الهندسيات: أن الأوليات المذكورة في المصادرات أمور تسليمية كقول القائل الكل أكثر من الجزء وكل شيئين يساوي كل واحد منهما [ثالثا] فهما متساويان ثم يبني الأشكال على أمثال هذه المقدمات وإذا أدركه كان العلم بها على نحو العلم بالمقدمات ولا معنى للدليل إلا بناء مطلوب على مقدم ضروري.
وقد يحتاج الناظر إلى قليل فكر وذلك يختلف باختلاف القرائح فقد يجرى الجواد جريانا لا [نحس] في أثنائه وقفاته إن كانت وقد يطول تردد البليد.
ومما يطرق الخلل إلى النظر الحيد عن السنن المفضي إلى مقصده وبيانه بالمثال أن الذي يبغي مقتضيا إذا حاد عن طلب الجواز وأخذ يفكر في الطول والعرض وللون فهذا حائد لا ينتهي إلى مقصده وقد يؤتى الناظر من نسيان المقدمات وإلا فالمشكل انقطاع مدركه كمدرك المقدمات في المقالة الأولى من كتاب الاستقصات.
٨١٣- فخرج من هذا التنبيه العظيم أن دليل العقل ليس شيئا متعلقا بمتعلق حتى يفرض فيه إشعار في الطرد ونقيض له في العكس.
والأمارات الشرعية مصالح تقتضى أحكامها وهي على التحقيق متعلقة بها فقد بان افتراق البابين والمطلوب بعد من حقيقة المسألة بين أيدينا.