الفصل على الجملة بين التافه والنفيس فليس فيه التنصيص على النفيس ومبلغه فكان ذلك موكولا إلى الشرع ونصاب السرقة منصوص عليه.
٨٩٨- ومن أمثلة ذلك النصب في أموال الزكاة والأقيسة قد ترشد إلى اختصاص وجوب الإرفاق بالأموال المحتملة له المتهيئة لارتفاق مالكها فيكون الإرفاق في مقابلة الاستمكان من الارتفاق ثم القدر المرفق لا ينص عليه الرأي فاتبع القايسون فيه مراسم الشريعة وإن عللوا الأصل تعليلا كليا.
٨٩٩- ثم لما ذكر القاضي ما ذكرناه من مسالك الفقهاء انعطف عليه فقال كيف يطمع الطامع في الميز بين الخسيس والنفيس وذلك يختلف بهمم النفوس والخسة والنفاسة لا يتصف بها مبلغ بعينه بل هما من أحكام النسب والإضافات فقد يستعظم الفقير الفلس ولا تكثر القناطير في حق الملك وهذا ينسحب على النصب فإن القانع بالبلاغ قد يجتزئ بالارتفاق عما ينقص عن النصاب وذو البسطة [والعيلة] والذرية الضعاف لا ترفغه العشرون والمائتان من التبرين.
فإن قال قائل: بنى الشارع الأمر على الوسط وهو شوف الاعتدال في كل شيء فإن طرفي الاعتدال لا ينضبطان بل هما مردودان إلى حكم الوسط فيقال له أوسط الناس لا يكثر في أعينهم الربع ولا الدينار في مقابلة ما يلقون من الأغرار وإن وقع [الفرض] في ذوي الغرامة الذين انتهى بهم الاستجراء إلى اقتحام العظائم فهؤلاء قد يصادمون الأغرار مستقبلين من غير مآرب ظاهرة ولا يكاد ينضبط في ذلك معنى.
٩٠٠- ثم وجه القاضي [على نفسه] السؤال المعروف في الخمر فإنها لا تغنى عن مرارتها لعينها وإنما تعني لما لا يحصل إلا عند الاستكثار منها وهي النشوة والطرب والسكر ثم يتعلق بتعاطي القليل منها من الحد ما يتعلق بتعاطي الكثير وقد تكلف الفقهاء وجوها من الكلام لا نراها ونقتصر على أقربها متناولا وذلك أنهم قالوا قليل الخمر داع إلى الكثير وليس في الإكثار منها عند الاستمكان من جنسها ركوب خطر واقتحام غرر فلو لم يوضع الحد في القليل لدعا إلى الكثير منه والغرر في المهج مع قلة المال كاف في الورع فهذا منتهى المطلوب في ذلك.
وإذا لاح مسلك الكلام في النفي والإثبات في هذه المسائل فنحن نذكر بعدها كلاما وجيزا يتخذه الناظر معتبره ويرقى به عن تعارض وجوه الكلام في فن يقصد منه بغية القطع فنقول.