فوظف الشارع [الوضوء] في أوقات وبنى الأمر على [أفادته] المقصود وعلم الشارع أن أرباب العقول لا يعتمدون نقل الأوساخ والأدران إلى أعضائهم البادية منهم فضلا فكان ذلك نهاية في الاستصلاح ومحاولة الجمع بين [تحصيل] أقصى الإمكان في هذه المكرمة ورفع [التضييق في التدنس والتوسخ] إذا حاول المرء ذلك فهذا وضع هذا الفن.
٩١٨- ولكن إزالة النجاسة أظهر في هذا الفن من النظافة الكلية المرتبة على الوضوء فإن النجاسات تتقذر في الجبلات واجتنابها أهم في المكارم والمروءات من اجتناب [الشعث] والغبرات.
ولهذا ذهب طوائف من الفقهاء إلى أنه يحرم على الإنسان التضمخ بالنجاسات من غير حاجة ماسة والشافعي نص هذا في الكثير وقد ردد [في] مواضع من [كتبه] تحريم لبس جلد الميتة قبل الديباغ وحرام على المرء لأن يلبس جلود الكلاب والخنازير فتميز ظهور الغرض في إزالة النجاسة عن النظافة الكلية المعينة في الوضوء ولهذا خصص الشافعي الوضوء بالنية من حيث التحق بالتعبدات العرية عن الأغراض وضاهى العبادات [البدنية] .
٩١٩- ثم هذا الضرب الذي يفضى الكلام إليه يضيق نطاق القياس فيه فليس للناظر أن يؤسس في هذا الضرب أصلا يتخيل فيه مثل هذا المعنى الذي تكلفنا نظم العبارة [منه] لمعتبره بالقاعدة الثانية.
والسبب فيه أن هذا يدق مدرك النظر فلا يستقل بالتطرق إليه القوى البشرية ولا ينبغي أن يؤتى الإنسان عن خداع فإن مجال الظنون متسع لما يظهر ويدق فإنا لم نؤمر بربط الحكم لكل مظنون.
٩٢٠- فالقول الوجيز فيه أن المعنى الذي ذكرناه في هذه القاعدة الثانية محال على غيب ينفرد بعلمه الشارع وعليه ابتني الإيهام الكلى بين التصريح والتلويح المذكورين في الطهارة [فإنا قلنا] تعميم الأمر بالنظافة عسر ورفعه مناقض للمكارم والمحاسن والقدر المعين لا تدركه أوهام البشر ولا عسر في امتثال أمر الشارع في طهارات متعلقة بأوقات [ثم الفطن] يظن أنها في علم الشارع منطبقة على القدر المقصود الواقع في الغيب وليس من الممكن ربط الظن به فضلا عن دركه يقينا.
٩٢١- فإذا كان هذا مبنى الأصل الثابت فكيف يطمع الطامع في تأسيس أصل [وتقعيده قاعدة] تضاهى الطهارة في [وفائها] بالغرض الغيبي ولهذا نقول في هذا.