فليعلم الناظر أن المستفتى لا يتخير في تقليد من شاء من المفتين ولكن عليه ضرب من النظر في تخير واحد منهم لمزية يتخيلها أو يظنها لمن يختاره وسيأتي ذلك مشروحا في موضعه إن شاء الله تعالى.
وإن كان كذلك فمتعلق المستفتى ترجيح مجرد وقد ينقدح أن يقال: ما يغلب على ظنه تخصيص واحد من العلماء فهو دليل مثله فالقول في هذا يئول إلى عبارة ونحن الآن نرسم ما يترجح به مذهب الإمام المطلبي الشافعي رضي الله عنه.
مسألة:
١١٧٣- أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذاهب أعيان الصحابة رضي الله تعالى عنهم بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذين سبروا ونظروا وبوبوا الأبواب وذكروا أوضاع المسائل وتعرضوا للكلام على مذاهب الأولين.
والسبب فيه أن الذين درجوا وإن كانوا قدوة في الدين وأسوة للمسلمين فإنهم لم يفتنوا بتهذيب مسالك الاجتهاد وإيضاح طرق النظر والجدال وضبط المقال ومن خلفهم من أئمة الفقه كفوا من بعدهم النظر في مذاهب الصحابة فكان العامي مأمورا باتباع مذاهب السابرين.
١١٧٤- ثم نحن نوضح وراء ذلك ما يتعلق به منتحل المذهب على الجملة في اختيار مذهب الشافعي ومجامع الكلام في ذلك يحصرها طرق.
أحدها: أن السابق وإن كان له حق الوضع والتأسيس والتأصيل فللمتأخر الناقد حق التتميم والتكميل وكل موضوع على الافتتاح قد يتطرق إلى مبادئه بعض التثبيج ثم يتدرج المتأخر إلى التهذيب والتكميل فيكون المتأخر أحق أن يتبع لجمعه المذاهب إلى ما حصل السابق تأصيله وهذا واضح في الحرف والصناعات فضلا عن العلوم ومسالك الظنون وهذه الطريقة يقبلها كل منصف وليس فيها تعرض لنقض مرتبة إمام.
١١٧٥- فإذا حصلنا المقصود مع الاعتراف للمتقدمين بفضل السبق فالذي يتم به الغرض أن الصديق أفضل من طلعت عليه الشمس بعد النبي عليه السلام ثم اشتغال من بعده بالسبر أوجب على العوام ألا يبتدروا مذهب الصديق رضي الله عنه مع علو منصبه وارتفاع قدره.