وحكى صاحب المغنى وهو عبد الجبار في كتابه المترجم بالعمد عن بعض أصحابه جواز الاكتفاء بالترجيح وسقوط هذا المذهب واضح فإن الترجيح الحقيقي ينشأ من منتهى الدليل فإذا لم يكن دليل لم يثبت الترجيح تصورا وإن فرض تمسك بمبادئ نظر وسمى ذلك ترجيحا فهو نظر فاسد لقصوره ولا ترجيح بالفاسد والنظر يفسد بقصوره تارة وبحيد عن المدرك المطلوب أخرى.
١١٨٧- فإن قيل: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفاوضهم يكتفون بمسالك الترجيحات وما كانوا يمهدون أدلة مستقلة ثم يبنون عليها ترجيحات وهم الأسوة.
قلنا: هذه دعوى عرية لا أصل لها فإنهم كانوا يبنون أحكاما على معان سديدة وعلى تقريبات شبهية وهذا مدرك الشرع وكانوا لا يعتنون برد المعاني إلى الأصول لا عن جهل بها ولكنهم علموا أن معتمد الأحكام المعاني.
فأما الاقتصار على الترجيحات فادعاؤه عليهم تخرص [بين][نعم] قد نقول: إذا عريت واقعة عن نظر قويم ولاحت فيه مخيلة على بعد ولا يكون مثلها دليلا فقد يجوز التمسك بها تجويزا للمجتهد استصحاب الحال وإن رأينا أن نذكر في آخر هذا المجموع طرفا صالحا من حكم شغور الزمان عن المفتين وحملة الشريعة ذكرنا طرفا صالحا في ذلك إن شاء الله تعالى.
القول في ترجيحات الأدلة.
١١٨٨- إنما مظنة الترجيحات تعارض صور الأدلة وهي في غرضنا ألفاظ منقولة ومعان مستنبطة.
فأما الألفاظ فتنقسم إلى النصوص التي لا تقبل التأويل وإلى الظواهر.
فأما النصوص فتنقسم إلى ما ينقل قطعا واستوت في النقل ويلتحق بهذا القسم ما ينقل من غير قطع ولكن تستوي النصوص في [طريق] النقل من غير ترجيح آيل إلى الثقة والتغليب فيها ونحن نرسم ما يتعلق بهذا القسم.