١١٩٤- إذا تعارض خبران نصان نقلهما الآحاد واستوى الرواة في الصفات المرعية في حصول الثقة ولكن كان أحدهما أكثر رواة.
فالذي ذهب إليه الأكثرون الترجيح بكثرة العدد [وهو مذهب الفقهاء] وذهب بعض المعتزلة إلى منع الترجيح بكثرة العدد واحتجوا في ذلك بالشهادة فإنه لا ترجح بينة على بينة بكثرة العدد.
وهذا الذي ذكروه مما اختلف الفقهاء فيه:
١١٩٥- فذهب معظم أصحاب مالك وشرذمة من أصحاب الشافعي إلى أن البينة المختصة بمزيد العدد في الشهود مقدمة على البينة التي تعارضها.
والمسألة على الجملة مظنونة وللاجتهاد فيها مجال ثم معظم قواعد الشهادات منوطة بالتعبدات والروايات مدار أصولها وتفاصيلها على الثقة المحضة ولهذا لا تعتبر فيها الحرية والعدد في [أصل القبول] وكثرة الروايات توجب مزيدا في غلبة الظن.
وقد قال القاضي رحمه الله تعالى: تقديم الخبر على الخبر بكثرة الرواة لا أراه قاطعا وإنما أراه من مسالك الاجتهاد.
١١٩٦- والوجه في هذا عندنا: أن المجتهدين إذا لم يجدوا متمسكا إلا الخبر وتعارض في الواقعة خبران واستوى الرواة في العدالة والثقة وانفرد بنقل أحدهما واحد وروى الآخر جمع فيجب العمل بالخبر الذي رواه الجمع.
وهذا مقطوع به فإنا على قطع نعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعارض لهما خبران كما وصفنا والواقعة في محل لا تقدير للقياس فيه ولا مضطرب للرأي لما كانوا يعطلون الواقعة بل كانوا يرون التعلق بما رواه الجمع.
١١٩٧- فأما إذا كان في المسألة قياس وخبران متعارضان كثرت رواة أحدهما فالمسألة الآن ظنية فإن الخبر الذي نقله الواحد يضعف بالخبر الذي يعارضه فيبعد أن يستقل دليلا.
والذي يقتضيه هذا المسلك النزول عنهما والتمسك بالقياس وترجيح القياس الذي يعضده الخبر الذي يرويه الجمع ولو تجرد القياس في الجانب الآخر [فهو]