فأحاديث الدباغ كانت مطلقة غير مقيدة بتاريخ فالغالب على الظن جريانها قبل هذا التاريخ ولكن الشافعي رد حديث عبد الله لأنه كان محالا على الكتاب وناقل الكتاب مجهول ليس بمذكور فالتحق الحديث بالمرسلات فهذا تصوير ما أردناه.
١١٩١- قال الشافعي: إن تجرد نص ولم يعارضه آخر فإمكان النسخ مردود ومدعيه مطالب بنقل النسخ ولا يكتفى في هذا المقام بغلبة الظن فإن تعارض نصان وتطرق إلى أحدهما مسلك من المسالك التي صورناها فعند ذلك يرى الشافعي ترجيح النص الذي لا يتطرق إليه ظن النسخ على الآخر [ورأيه أولى] من الحكم بتساقط النصين عند تعارضهما.
١١٩٢- وقال قائلون: النصان متعارضان فإن الذي اتجه فيه إمكان النسخ ظنا لا يخفى سقوطه والنص الآخر يهى به ويحط عن منزلته والتمسك بمرتبة أخرى دون النصوص أولى ولا يبقى مع تعارض النصين إلا ظن ترجيح ومجرد الترجيح لا يجوز التمسك به.
١١٩٣- ووجه الحق في ذلك: أن الحادثة إذا عريت عن مسلك [يعد] من سبل مسالك الأحكام وتعارض خبران نصان وتطرق إلى أحدهما إمكان النسخ وعدم المجتهد متعلقا سواهما فالوجه التمسك بالخبر الذي لا يتطرق إليه ظن النسخ وهذا أولى من تعطيل الحكم وتعرية الواقعة عن موجب الشرع وهذا يناسب القول في مآخذ الأحكام عند عرو الزمان عن المفتين ولعلنا نختتم هذا المجموع بطرف صالح منه يقع به الاستقلال.
فإن وجد المتناظران مسلكا من مآخذ [الأحكام] سوى الخبرين مثل أن يجد للقياس مضطربا فالوجه النزول عن الخبرين جميعا والتمسك بالقياس ثم الخبر الذي بعد عن ظن النسخ يستعمل ترجيحا لأحد القياسين [على الآخر] .
فهذا وجه مدرك الحق في ذلك وهو أصل في كتاب الترجيح وسنسند إليه أمثاله.