ولا يجوز التعلق عندنا بكل مصلحة ولم ير ذلك أحد من العلماء ومن ظن ذلك بمالك رضي الله عنه فقد أخطأ فإنه قد اتخذ من أقضية الصحابة رضي الله عنهم أصولا وشبه بها مأخذ الوقائع فمال فيما قال إلى فتاويهم وأقضيتهم فإذا لم ير الاسترسال في المصالح ولكنه لم يحط بتلك الوقائع على حقائقها وهذا كبنائه قواعد على سيرة عمر رضي الله عنه في أخذه شطرا من مال خالد وعمرو وقد قدر ذلك تأديبا منه.
وهذا زلل فإنه لا يمتنع أنه رآهما آخذين من مال الله تعالى ما لا يستحقان أخذه على ظن وحسبان وكان يرعى طبقة الرعية بالعين الكالئة والأليق بشهامته وإيالته أن نظره الثاقب كان بالمرصاد لما يتعديان فيه الحدود عامدين أو خاطئين إذ كانا موليين على مال الله تعالى وإذا أمكن ذلك وهو الظاهر فحمله على التأديب لا وجه له ولو صح عنه أخذ مال رجل غير متصرف في مال الله تعالى لكان يظهر ما تخيله مالك.
وكذلك كل واقعة ربط مالك أصلا من أصوله بها فإنه لا يرى ذلك الأصل استحداث أمر وهو عند الباحثين ينعطف على أبلغ وجه إلى قواعد الشريعة.
فخرج مما ذكرناه أن مالكا ضم وقائع الصحابة إلى الأمور الظاهرة من الشريعة ولم يظن بهم افتتاح أمر من عند أنفسهم ولكنه قال: الأخبار [منقسمة] إلى ما نقلت صريحا وإلى ما فهمنا ضمنا فإنا لا نظن بأئمة الصحابة استقلالهم بأنفسهم في تأسيس أصول فهذا بيان مذهبه.
١٢٥٦- ونحن نرى الاقتصار في مآخذ الأحكام على أصول الشريعة وأقضية الصحابة محمولة عليها ولا نتخيل أخبارا استندوا بها وسكتوا عن نقلها مع علمنا بأنهم كانوا يبرئون أنفسهم عن الاستقلال ويعضدون ما يحكمون به بما يصح عندهم من أخبار الرسول عليه السلام وهذا وجه انفصال أحد المذهبين عن الثاني ثم الاستدلال المقبول هو المعنى المناسب الذي لا يخالف مقتضاه أصلا من أصول الشريعة كما ذكرناه في المعنى المستنبط من الأصول ويظهر أثر ذلك بضابط في النفي والإثبات وهو أن كل معنى لو أطرد جر طرده حكما بديعا لم يعهد مثله في الزمان الأطول فيدل خروج أثره عن النظير على خروج معناه المقتضى عن كونه معتبرا.
والدليل عليه أنه لو كان معتبرا لوجب في حكم العادة القطع بوقوع مثله في.