للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزمن المتمادي وبمثل هذا المسلك قطعنا [بأنه] لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى وإذا كان أثر المعنى لا يعدم نظيرا قريبا ولم يقتض طرد المعنى مخالفة أصل من الأصول فهو استدلال مقبول معمول به.

وبيان ذلك بالمثال: أن مالكا لما زل نظره كان آثر ذلك تجويز قتل ثلث الأمة مع القطع بتحرز الأولين عن إراقة محجمة دم من غير سبب متأصل في الشريعة ومنه [تجويزه التأديب] بالقتل في ضبط الدولة وإقامة السياسة وهذا إن عهد فهو من عادة الجبابرة وإنما حدثت هذه الأمور بعد انقراض عصر الصحابة.

١٢٥٧- فإذا تجدد العهد بما ذكرناه فنحن نرسم بعده مراتب في الإخالات وننزل كل مرتبة منزلتها ونرى أن مدركها على حقائقها مشرف على طرف المعاني فإذا عسر الوفاء باستيعاب أمثلة الأقيسة المعنوية في هذا المجموع فالوجه أن نتخذ أصلا من أصول الشريعة يشتمل على مجامع القول في وجوه الإخالات ونبين فيه وجوه الترتيب فيها وما يقع في الرتبة العليا والرتبة التي تليها إلى استيعاب مدارك الفقه ومعانيها ثم [يقيس] الفطن على ما نرسمه فيها ما يدانيها.

المرتبة الأولى:

١٢٥٨- فليقع الكلام في القصاص وما يقتضى إيجابه وما يوجب اندفاعه فنقول أوجب الله القصاص في نص كتابه زجرا للجناة وكفا لهم وأشعر بذلك قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ١ واتفق المسلمون على هذه القاعدة ولم ينكرها من طبقاتهم منكر.

ثم قال أئمة الشريعة: كل مسلك يطرق إلى الدماء الهرج على جريان واسترسال واستمكان من غير حاجة إلى أمر نادر ومعاناة شاقة فهو مردود فإن المقصود المتفق عليه من القصاص صيانة الدماء وحفظ المهج فمن خالف هذا فهو لو قدر ثبوته [ناقض] له والثالث نصا وإجماعا لا سبيل إلى نقضه.

فإذا تمهد [ذلك] فكل معنى يستند إلى هذه القاعدة ويوافقها من غير اختلاف في مجراه فهو على المرتبة العليا من أقيسة المعاني.

١٢٥٩- وهذا يمثل [بالقول في القتل] بالمثقل.


١ آية "١٧٩" سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>