ولا شك أن من نفي القصاص به مناقض للقاعدة من جهة أن القصد إلى القتل بهذه الآلات أمر ثابت وهو ممكن لا عسر في إيقاعه وليس القتل به مما يندر [فإذا لم يعسر ولم يندر] فكان نفي القصاص بالقتل بها مضادا لحكمة الشريعة في القصاص.
فإذا ناكر الخصم العمدية في القتل بهذه الآلات سفه عقله ولم يستفد به إيضاح عسر القتل.
١٢٦٠- وإن شبب بتعبد في آلة القصاص وكان ذلك في حكم العبث فإن تقدير التعبد مع ما تمهد من الحكمة يناقض الحكمة المرعية في العصمة فليفهم الفاهم مواقع التعبد.
١٢٦١- وإن تمسك بصورة في العكس وقال الجرح الذي لا يغلب اقتضاؤه إلى الهلاك إذا أهلك أوجب القصاص كان هذا غاية في خلاف الحق فإن الجرح لاختصاصه بمزيد الغور وإمكان السريان إذا اقتضى القصاص حسما لمادة الجناية وردعا للمعتدين فكيف يستجيز ذو الدين أن يبنى عليه إسقاط القصاص بالقتل الذي يقع بالأسباب التي تقتل لا محالة؟
وليعتبر المعتبر عن هذا الأصل فإنه أجلى أقيسة المعاني وأعلى مرتبة فيها فإنه لا حاجة في ربطه بالقاعدة إلى تكلف أو تقرير أو تقريب وتحرير.
ولو قيل: هو الأصل بعينه [و] ليس ملحقا به لم يكن [بعيدا] .
١٢٦٢- ومخالف ما يقع في هذه المرتبة مائل عن الحق على قطع وليس القول فيها دائرا في فنون الظنون وما يكون بهذه الصفة لا يتصور أن يعارضه معارض.
١٢٦٣- ونضرب لهذا مثالا آخر قياسا.
فنقول: الغرض من شهادة الشهود إيضاح المقصود المشهود به ثم للشرع تعبدات وتأكيدات في رتب البينات على حسب أقدار المقاصد.
وأعلى البينات بينة الزنا فإذا شهد على صريح الزنا أربعة من الشهود العدول وتناهى القاضي في البحث وانتفت مسالك التهم فهذا أقصى الإمكان في الإيضاح والبيان فلو شهدوا وأقر المشهود عليه مرة واحدة لم يؤثر إقراره ووجب القصاص بموجب البينة فإن إقراره تأكيد البينة ولا يحط من مرتبة البينة شيئا.
فإذا قال أبو حنيفة: إذا أقر المشهود عليه مرة سقطت البينة ولم [يثبت] بذلك.