١١٨- الأمر هو القول المقتضى بنفسه طاعة المأمور بفعل المأمور به فذكرنا القول يميز الأمر عما عدا الكلام وذكرنا المقتضى إلى استتمام الكلام يميزه عما عدا الأمر من أقسام الكلام وقولنا بنفسه يقطع وهم من يحمل الأمر على العبارة فإن العبارة لا تقتضي بنفسها وإنما تشعر بمعناها عن اصطلاح أو توقيف عليها وذكرنا الطاعة يميز الأمر عن الدعاء والرغبة من غير جزم في طلب الطاعة.
١١٩- فأما المعتزلة فقد أوضحنا من مذاهبهم أن الكلام ليس جنسا.
عندهم متميزا بحقيقة وإنما هو العبارة وقالوا على حسب ذلك الأمر قول القائل لمن هو دونه افعل وهذا مدخول فإنه لو قال المرء لمن في درجته: افعل لكان أمرا وليست هذه اللفظه يعينها كل الأمر بل يصدر عن كل مصدر صيغة تسمى على هذا الرأي أمرا.
ولو اهتدوا لبناء الأمر على حقيقة أصلهم لما التزموا تحديد الأمر وهو قسم لا حقيقة لأصله والمطلوب من الحدود الإشعار بالحقائق ورب حقيقة تعقل ولا ينتظم عنها عبارة وكيف يحاول حد ما لا حقيقة له.
١٢٠- ثم من أصلهم أن اللفظ الذي ذكروه ونبهوا به على أمثاله إنما يكون أمرا بثلاث إرادات إحداها أرادة اللافظ وجود اللفظة والإرادة الثانية تتعلق بجعل اللفظ أمرا والثالثة تتعلق بامتثال المأمور المخاطب الأمر.
١٢١- وإيضاح ذلك عندهم أن الإنسان قد يهذي في نومه فيجري صيغة الأمر وهو لا يريد وجودها لمنافاة النوم حالة الإرادة والعلم فكان شرطه إرادة وجود اللفظ لإخراج هذه الحالة وأما اشتراطه تعلق الإرادة بجعل اللفظ أمرا فسببه أن الإنسان قد يحكى صيغة الأمر وهو يبغي بها رفع حرج أو تهديدا على مذهب قوله سبحانه وتعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} ١ فإذا تردد اللفظ كما ذكرناه فلا بد من إرادة تخصصه بجهة الأمر.
وأما إرادة المأمور به من المأمور فهي القاعدة والمعول إذ لا يتصور عندهم أمر بشيء من غير إرادة له وهذا مذهب البصريين.