فمما اعتمدوه أن الصيغة إذا وردت واقتضت إيجابا لم يخل القول بعد ذلك من أن يقال يعصى المخاطب بالتأخير عن وقت الفهم والإمكان وهذا معنى الفور أو يقال لا يعصي بتأخير الامتثال ثم لا ينضبط جواز التأخير بوقت ولا يتعين له زمان فلو مات المخاطب بعد امتداد الزمن وما كان امتثل لم يخل الأمر فيه إما أن ينسب إلى العصيان أو لا ينسب إليه.
فإن قيل إنه مات غير عاص فهذا إسقاط الإيجاب بالكلية قطعا وإن قيل مات عاصيا كان ذلك مناقضا لجواز التأخير فإنه فعل ما له أن يفعل فإن قيل جوز له التأخير بشرط سلامة العاقبة كان ذلك ربط التكليف بلبس وعماية.
١٤٦- وهذا الذي ذكروه ينقضه وجهان: أحدهما: المعارضة بمناقضات لا درء.
لها فإن الأمة أجمعت على وجوب قضاء الصلوات التي فاتت بأعذار ثم العمر وقتها على الفسحة وكذلك الكفارات والذي ذكره هؤلاء يقتضي مساقة امتناع وجوب شيء على الفسحة وليس ما اعتمدوه متلقى من قضية الصيغة لدى الإطلاق وإنما هو مبني على استحالة ذلك في مقتضي الوجوب.
والذي يوضح هذا المسلك من غير استشهاد بمسألة أن العقل لا يحيل اقتضاء شيء على الإيجاب مع تقدير عمر المخاطب ظرفا له ولا يخالف في تجويز ذلك مخالف فيبينه وفي الاعتراف بهذا سقوط أصل الكلام فقولنا فيما استنكروه على صيغة التقسيم في اللفظ المطلق كقولهم في الصيغة المقيدة بجواز التأخير فهذا وجه في الجواب كاف.
والوجه الثاني: في تعيين قسم من الأقسام التي ذكروها والمقطوع به أن المخاطب إذا مات بعد الإمكان ولم يمتثل لقى الله سبحانه وتعالى: عاصيا وللفقهاء في هذا اختباط [طويل] لسنا لذكره الآن ولكن ما رأيناه مقطوعا به [أجزناه] ولا مبالاة بقول من يقول من الفقهاء إنه مات غير عاص.
١٤٧- وما ذكروه على ذلك من ارتباط الأمر بجهالة في العاقبة تهويل لا تحصيل له فإن هذا النوع من الجهالة محتمل وإنما الممتنع جهالة تمنع فهم الخطاب أو إمكان الامتثال أما ما يمنع فهم الخطاب فبين وأما ما ينافى الإمكان فهو مثل أن يقال لشخص أعتق عبدا من عبيد الدنيا وهو معين عند الامر ولم يعينه للمخاطب.