فإن وافق عتقه تقديره كان ممتثلا وإن لم يوافقه عرضه للعقاب فهذا ينقدح وجه امتناعه على ما سيأتي شرحنا عليه في كتاب النواهي إن شاء الله تعالى.
فأما تكليف المرء شيئا مع تقدير عمره مهلة وفسحة وهو أنه إن امتثله فاز بالأجر وإن أخلى العمر منه تعرض للمعصية فلا استحالة في هذا.
١٤٨- ومما تمسك به هؤلاء وهو قريب المأخذ مما سبق أن قالوا إذا اقتضت الصيغة إيجابا فالواجب ما لا يجوز تركه واتصاف المأمور به بالوجوب ناجز فليمتنع تركه إذ لو جاز تركه في الزمان الأول من أزمنة الإمكان لما كان متصفا بالوجوب فيه وهذا قد استهان به من لم يحط بالحقائق وهو صعب عسر وربما يحرر ذلك فيقال الواجب ما يتعين الإقدام عليه فإذا لم يتعين الإقدام عليه في الزمان الأول لم يكن واجبا فيه وهذا مع إعواصه لا يتأتى للقوم التعلق به لإثباتهم واجبا مقيدا بجواز التأخير كما سبق ذكره في الطريقة الأولى ولكن الإشكال قائم في النفس في الصورة المتفق عليها.
١٤٩- وقد تردد جواب القاضي رحمه الله في هذا المقام لاستشعاره إشكال الكلام فمما ذكره أن التأخير عن الزمان الأول إنما يسوغ ببدل قائم مقام الفعل المقتضى ولولاه لسقط حكم الوجوب على ما اقتضاه مساق الطريقة ثم زعم أن البدل هو العزم على الامتثال في الاستقبال وقال من أخر الامتثال غير مخطر بباله العزم عصى ربه تعالى ثم يتعرض له كذلك في كل وقت يتعين ويتردد بين الامتثال وبين العزم إلى آخر وقت الإمكان ثم ذلك الوقت يتعين [للفعل] .
١٥٠- وهذا خروج عظيم عن مسلك التحقيق وفيه أولا التزام أمر اقتحاما عليه من غير أن يشعر اللفظ به وقد صار هذا الحبر إلى الوقف في أصل الصيغة من حيث إنه لم يسنح له من اللفظ وجه قاطع ثم التزم في مساق الكلام بإثبات العزم الذي ليس في اللفظ إشعار به وفيما صار إليه خصلة أخرى عظيمة الموقع [وهي] أنه إذا وجب في كل وقت الفعل أو العزم فقد أخرج الفعل عن كونه واجبا فإن من مذهبه وأصل كل محقق أن الواجب من خصال كفارات اليمين واحد لا بعينه فإذا ردد في كل وقت تخييره بين الفعل والعزم فقد أخرج الفعل عن كونه واجبا جزما وردد الوجوب بينه وبين غيره فالواجب بينه فالواجب إذا أحدهما ثم إنما كان يستقيم ما ذكره لو ساعده نقلة الشريعة وقد أجمع المسلمون قاطبة على أنه لا يجب على المخاطب الاعتناء بالعزم في كل وقت لا يتفق الامتثال فيه ولو لم يخطر للمخاطب عزم أصلا.