٢٠١- فأما القاضي رضي الله عنه فقد سلك مسلكا آخر فقال أسلم أن الصلاة في الدار المغصوبة لا تقع مأمورا بها ولكن يسقط التكليف بالصلاة عندها كما يسقط التكليف بأعذار تطرأ كالجنون وغيره.
وهذا حائد عندي عن التحصيل غير لائق بمنصب هذا الرجل الخطير فإن الأعذار التي ينقطع الخطاب بها محصورة فالمصير إلى سقوط الأمر عن متمكن من الامتثال ابتداء ودواما بسبب معصية لابسها لا أصل له في الشريعة.
ثم غاية القاضي رضي الله عنه في مسلكه هذا ادعاء الإجماع على سقوط الأمر عمن يقيم الصلاة في البقعة المغصوبة ثم أخذ يطول دعواه في ذلك ويعرضها قائلا لم تأمر أئمة السلف رضي الله عنهم الغصاب بإعادة الصلاة التي أقاموها في الأرض المغصوبة والذي ادعاه من الإجماع لا يسلم فقد كان في السلف متعمقون في التقوى يأمرون بالقضاء بدون ما فرضه القاضي رحمه الله وتقدير الإجماع مع ظهور خلاف السلف عسر ثم إن صح عنهم ما ذكروه فكما نقل عنهم سقوط الأمر نقل عنهم أن الموقع صلاة مأمور بها فلئن كان يعتصم على الخصم بالإجماع فلا ينبغي أن يجريه في عين ما ينقله ولعل من ادعى الإجماع في أن الصلاة المجزئة ليست معصية أسعد حالا في دعوى الإجماع ممن يدعى وفاق الماضين على أسقاط الأمر بسبب معصية.
٢٠٢- فإذا لاح بطلان هذه الوجوه فقد جاز أن نذكر طريقة التحقيق ونبوح بالسر والغرض فنسلم أن الأكوان التي بنى الخصم الكلام عليها معصية من جهة وقوعها غصبا وندعى وراء ذلك أنه مأمور بها من جهة أخرى وليس ذلك ممتنعا بل هو الحق وقد أجرى الفقهاء هذه الألفاظ ولم يستقلوا بإيضاحها.
ونحن نقول ليس تحيز مكان مخصوص من مقصود الصلاة ولم يثبت ذلك من خصائص شرائط الصلاة والقول في ذلك يلوح بضرب مثال.
فإذا قال القائل لعبده: خط هذا الثوب [أو] لا تقعد اليوم ثم قال له لا تدخل داري هذا اليوم فإذا عصاه وجاوز حكم نهيه وتعداه ودخل داره ولم يزل قائما كما أمره أو خاط الثوب الذي رسم خياطته فلاشك أنه يعد ممتثلا في الخياطة وإن عصاه بدخول الدار فإنه في أمره بالخياطة لم يشترط عليه لزوم بقعة مخصوصة ولذلك يحسن من العبد أن يقول إن عصيتك بدخول الدار لم أعصك.