العقول لا تصل إلى معرفة الله استقلالاً
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد قلت: إن الإيمان بالله منحةٌ إلهية، ليس للعقل فيها فضل ولا منّة وهذا الأمر واضح وجلي في مشاهدة الناس، إذ أن أغلب المسلمين إسلامهم حكمي، كل منهم لم يسلم بالنظر في الدلائل، إنما أسلم لأن أبويه مسلمان، وهذا يختلف عن الإسلام الفعلي.
والإسلام الفعلي: هو الإسلام الناتج بالنظر فيما يسميه العلماء بـ (السمعيات) ، أي: الدلائل من نصوص الوحي قرآناً وسنة التي تتلقى عن طريق السمع؛ فالدلائل إما عقلية وإما سمعية، إما أن تعمل عقلك وإما أن تسمع.
فعندما تقرأ كلمة (السمعيات) في الكتب تعرف أنها الأمور التي لا يتعرف عليها إلا بطريق السمع، وهي كل أحكام الغيب مثل صفات الباري، فما علمناها إلا عن طريق السمع، أي: سمعناها.
إن أغلب إسلام الناس حكمي، وليس هناك فضلٌ من أحدٍ ابتداءً في هذا الإسلام الحكمي، ولو ولد أحدنا من أبوين يهوديين صار يهودياً، ولو ولد من أبوين نصرانيين صار نصرانياً.
هناك ناس عقولهم تزن بلداً بأكملها، ومع ذلك هم من أجهل الجاهلين، فعالم الذرة أو عالم الإلكترونيات الهندي الهندوسي إذا رأى بقرة -وهو ذاهب إلى المعمل في سيارته على خط سير مستقيم- أوقف السيارة وسجد لها، ثم واصل طريقه أي عقل هذا؟ مع أننا في ميزان العقول نجعل عقل هذا الهندوسي كبيراً، بل عقل الفلاح الذي يعمل في الأرض لا يساوي شيئاً بجانبه، ومع ذلك هذا الفلاح مسلم، وذلك كافر، فلو كانت المسألة مسألة نظر ورجاحة عقل، لآمن جماعة العلماء الذين صعدوا الفضاء إذا كانوا صعدوا؛ فهناك عالم فضاء كندي ألف كتاباً خطيراً جداً يقول فيه: نحن لم نصعد الفضاء، ويقول: إن الصعود إلى القمر أكذوبة أمريكية؛ فبيننا وبين القمر منطقة درجة حرارتها أربعة آلاف درجة مئوية، لا يستطيع إنسان أن يقترب منها، هذا ملخص هذا الكتاب الذي أحدث ضجة وعمل فضيحة كبرى، وقد نشر ملخصه في مجلة لبنانية، وعالم الفضاء هذا انشق عنهم وأصدر هذا الكتاب، فقال: إن التمثيلية التي عملها الأمريكان -وهم أصحاب الإخراج العالمي، هوليود بلد السينما العالمية والخداع- هؤلاء عملوا مسرحية انطلاق المركبة الفضائية حتى شاهدها الجمهور الأمريكي، وكان لدى الجمهور الأمريكي رغبة في مشاهدة مكوك الفضاء، فاجتمع الأمريكان كلهم ليشاهدوا هذا، وصعد علماء الفضاء أمام الجمهور إلى المكوك، يقول هذا العالم الكندي: ولا يعلم الأمريكان أننا خرجنا من الناحية الأخرى، ولا يعلم الجماهير أن هذه المركبة كذلك سقطت في المحيط، وصعودنا إلى الفضاء كان أكذوبة كبرى، وهذا الكلام لم يقله متخلفون، هذا الكلام لعالم كندي قضى عمره في محطة الفضاء الأمريكية، ولأمر ما (إذا اختلف اللصان ظهر المسروق) اختلفوا مع بعض فكشف بعضهم بعضاً، مثل ضابط الموساد الإسرائيلي الذي أخرج فضائح الموساد خلال عشرين سنة ماضية، فقد اختلف معهم، وأخذوا يبحثون عنه لكي يقتلوه، فنشر ثلاثة كتب قاضية فضح فيها الشرق والغرب.
فالمقصود أن مسألة العقول لو كانت مستقلة بمعرفة الله تبارك وتعالى لآمن هؤلاء.
يذكرون عن عالم فضاء سوفييتي صعد إلى الفضاء فقال: صعدت أبحث عن الله فلم أجده.
فهل هذه عقول؟! لا يمكن أن تكون عقولاً مفكرة! مع أنها في نظر البشر أجل العقول، وصلت إلى تحطيم الذرة وما أشبه ذلك، فلما لم يهتدوا إلى معرفة الله تبارك وتعالى كان هذا من أدل الدلائل التي لا يعارض فيها أحد أن معرفة الله عز وجل لا يستقل العقل بإدراكها؛ لأن العقل لو فكر بما يتعلق بالله تبارك وتعالى كفر، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي قال لنا ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن يقول الناس: هذا الله، فمن خلق الله؟) إذا هاجم هذا الوسواس المسلم، فماذا يقول؟ قال عليه الصلاة والسلام: (فمن وجد ذلك فليقل: لا إله إلا الله) أي: يرجع إلى كلمة التوحيد؛ لأن الإنسان لو فكر وأعمل عقله في كنه الله تبارك وتعالى، فيمكن أن يقيم الدلائل العقلية على أنه غير موجود.
فرانسوا ميتران الرئيس الفرنسي عملوا معه مقابلة الشهر الماضي -نشروها هنا في مصر- فسألوه: هل عندك شك في وجود الله؟ قال: الشكوك في ذلك قوية! وهذا حاكم بلد يعتبر ثاني أو ثالث بلد في العالم، ومن أقوى دول العالم بجانب أمريكا وبريطانيا، وهي إحدى الدول المحتكرة لتصنيع السلاح والتكنولوجيا، وهو أول رئيس فرنسي استمر في الحكم أربعة عشر عاماً، وهذا يدل على أنه عبقري، ومع ذلك يُسأل هذا الخنزير عن الله تبارك وتعالى، هل عندك فيه شكوك؟ فيقول: الشكوك قوية جداً أنه غير موجود.
ولو وضع عقله أمام عقل عتريس أو عوضين، لما كانت عقولهم تزن شيئاً أمام عقله.
إذاً: الهداية منحة إلهية ليس لك فيها فضل، ثم يأتي العقل بعد ذلك لتثبيت هذه الهداية ومنحها، إذا آمنت نفعك عقلك، وإذا لم تؤمن لا ينفعك عقلك.