ولد شيخ الإسلام رحمه الله يوم الإثنين العاشر من ربيع الأول، سنة (٦٦١هـ) ، والتحق بطلاب العلم آنذاك في حفظ القرآن الكريم، فحفظه قبل أن يتم تسع سنوات، وبدأت تظهر عليه مخايل الذكاء والحرص من الصغر، حتى جاء رجل من دمشق ثم ذهب إلى حلب وجعل يمدحه ويثني عليه.
واستكثر أحد علماء حلب هذا الوصف على طالب صغير، فجاء إلى دمشق ليعاين الأمر بنفسه، فجلس عند حائك -خيَّاط- قال له: هل سمعت عن فتىً يقال له أحمد بن عبد الحليم، يقولون: هو أعجوبة في الحفظ؟ قال: نعم، هو يمر إلى الكتَّاب من هذا الطريق.
فجلس الرجل ينتظره، فلما أقبل أحمد بن عبد الحليم -وهو صبي صغير- أشار الحائك إليه، قال: هذا هو.
فناداه العالم وقال له -وقد رأى في يده لوحاً-: أين تذهب؟ قال: إلى الكتَّاب.
قال: أعطني اللوح، فأعطاه اللوح فكتب فيه ثلاثة عشر حديثاً، وقال له: اقرأها.
فما زاد ابن تيمية على أن نظر فيها، فأخذ الرجل منه اللوح ومسحها، ثم قال له: هل حفظت شيئاً؟ قال: نعم، حفظتها، قال: قل، فقرأها كما هي! فقال: لو عاش هذا الغلام لا يكون هناك مثله.
وعاش ابن تيمية وفعلاً صدقت فراسة الرجل.
شيخ الإسلام ابن تيمية حنبلي المذهب، دأبه في طلب العلم تعاهد نيته ليقوى قلبه.
طالب العلم الذكي هو الذي يتعاهد نيته وقلبه في حال الطلب، فيكبر علمه وتكبر نيته مع العلم، لكن كثيراً من الذين يأخذون العلم يطلبونه بمعزل عن تعاهد النية، فيكبر علمه ولا تكبر نيته، لذلك تجد علمه أوسع من نيته وأكبر من إخلاصه مع كتابه، فعندما يأتي إلى قلبه يجد أن العلم صار أكبر وأوسع فلا يستطيع أن يطوع قلبه لعلمه، فلابد أن يتعاهد قلبه مع علمه، كلما كبر العلم كبرت النية والإخلاص معه، فينتفع به، فهذا ما حصل لـ شيخ الإسلام رحمه الله.