للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شدة نفور الصحابة رضوان الله عليهم من البدع]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١] .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠-٧١] أما بعد: فقد كان إحساس الصحابة بالبدعة ونفورهم منها فوق كل تصور، وعندما نعرض بعض النماذج المبتدعة في زمن الصحابة نحن الآن نراها من المستحبات، وكانت عندهم من البدع؛ لأن الأمر كما قالت عائشة رضي الله عنها: يا ويح لبيد! كيف قال: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب فالذي عرف الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى هذا النور، وعاش بعده الزمان الغدر يكون من أشد الناس غربة؛ لذلك فمحنة الصحابة في المعارك التي حدثت بينهم كانت شديدة، كان الواحد منهم مع أخيه أمام الرسول صلى الله عليه وسلم إخوة متحابين، لا مشاكل بينهم على الإطلاق، ثم إذا بالزمان يدور، فالأخ الذي كان يصلي بجانب أخيه والقدم بالقدم والكتف بالكتف وربما كان يخرج اللقمة من فمه ليعطيها أخاه، فأصبح هذا يقاتل هذا وصارت حرب نفسية، من تكون أنت؟ وكانت عائشة نفسها تخوض بينهم، وهذا من أبلغ الأقوال وأعظمها حين قالت: يا ويح لبيد! -قاتله الله- كلمة تعجب كيف استطاع أن يقول: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب تتعجب عائشة من هذا الرجل، ومروان حدثه عروة فقال: يا ويح عائشة! لو عاشت زماننا قال هشام راوي الحديث عن أبيه عروة: يا ويح! عروة كيف لو عاش زماننا؟! ولا زال كل راوٍ يروي الحديث ويقول: يا ويح فلان كيف لو عاش زماننا؟! وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون سنوات خداعة، يخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل الفاسق يتكلم في أمر العامة) كل هذا حدث.

الناصحون كذبة الآن! إذا قلت له: هذا لا يجوز هذا حرام، لا يصدق، والأفَّاك الكذَّاب الذي نعلم من نفاقه الظاهر أنه منافق يعتبر ناصحاً، والذين يصدقونه يعلمون أنه منافق، وهذه مشكلة! سنون خداعة! فالبدعة من أكثر ما يواجه المسلمين وأخطرها، ومما يدل على خطورة البدعة أنه يفعلها الغبي ويظن أنها سنة، وهي كما قال القائل: احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة فلربما انقلب الصديق فكان أعلم بالمضرة لا يضرك إلا الذي أعطيته بطنك وكرشك، ولو غضب عليك أصبحت مفضوحاً، ومن المعلوم أن عدوك أنت محتاط منه دائماً، أما صديقك فلربما انقلب وهو عالم بالمضرة، فالمبتدع يلدغ في لباس الدين.

فمنظر المبتدع ما غر الصحابة الأوائل؛ لأنهم كانوا فقهاء، والمبتدع اليوم تراه يخرج ماله، وعنده بر وسخاء ليدافع عن البدعة، فعندما تقول لأبنائك احذروا هذا الرجل، يقوم أحدهم فيقول: لا هذا قائم ومتدين ومصلٍ ومتصدق بماله لماذا تنتقده اتق الله؟ ماذا تريدون أكثر من هذا؟ هذا عابد زاهد! هذا ما كان يغر الصحابة الأوائل؛ لأنهم تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم العلم تلقي الرجل الواعي.

استدار الزمان فكان أول من قال بالبدعة في القدر -وهي بدعة قبيحة جداً، والحمد لله الآن انقرضت هذه البدعة من المسلمين- معبد الجهني كان يقول: إن الأمر أُنف، وإن الله لا يعلم بالحدث إلا بعد وقوعه.

هذا ملخص بدعته، أن علم الله ليس متقدماً على أفعال العباد، فإن الله عز وجل يكافئ بالفعل، فإذا عصاه شخص لا يعلم أنه سيعصيه إلا بعد وقوع الفعل من الفاعل، هذا هو معنى: الأمر أُنف.

معبد قرأ القرآن وتعلم العلم، أي: نزل إلى قعره، وكان زاهداً عابداً.

يقول يحيى بن يعمر: خرجت أنا حميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين -وكان من أهل البصرة، ومعبد الجهني كان بصرياً، وهذه البدعة خرجت من البصرة، في آخر زمن الصحابة- قال: (فخرجنا حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول معبد في القدر؟ قال: فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلاً المسجد، فاكتنفناه، قلت: أبا عبد الرحمن -وهذه كنية عبد الله بن عمر - إنه ظهر في زماننا أناس قرءوا القرآن ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم ما ذكر وأنهم يقولون: لا قدر وأن الأمر أُنف، فقال عبد الله بن عمر: إذا لقيتهم فأخبرهم أنني منهم براء، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن أحدهم جاء بأُحد ذهباً ما قبل الله منه إلا أن يؤمن بالقدر) .

ثم استأنف وساق حديث الإيمان والإحسان والإسلام.

هذا عبد الله بن عمر الفقيه لا يضره أن يقال: زاهد عابد تقي ورع ليس لهذا علاقة، هذا شيء واتباع النبي صلى الله عليه وسلم شيء آخر، عبد الله بن عمر تلقى هذا من النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>