إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن جهاد المبتدعة والذب عن حياض الدين أفضل عند الله عز وجل من جهاد الكفار.
فالبدعة لها الأثر الكبير في ترسيخ معنى التعصب عند الناس، وهذا هو الذي يحز في النفس أن محنة جميع علماء المسلمين كانت بسبب المبتدعة.
إنها بدعة التعصب المذهبي، فكل واحد يقول: أنا مذهبي حنفي وأنا مذهبي شافعي وأنا مذهبي حنبلي وأنا مذهبي مالكي هذه البدعة كاد العوام أن يقتلوا إماماً جليلاً شهيراً بسببها، وهو الإمام ابن جرير الطبري صاحب التفسير، الذي قال فيه بعض العلماء: لو رحل رجل إلى الصين ماشياً ليحصل على تفسير ابن جرير لكان كثيراً، فسر فيه كلام الله عز وجل بحدثنا وأخبرنا وأبان عن وجوه القراءات الصحيحة ووجوه القراءات المختلفة، وخدم كتاب الله العزيز خدمة نسأل الله عز وجل أن ينير قبره بها.
وما من رجل جاء بعده فصنف في التفسير إلا مشى على منواله، له مذهب فقهي مثل الشافعي وأحمد اسمه: المذهب الجريري لكنه اندثر؛ لأن أصحابه لم يقوموا بتأسيس مذهبه وتهذيبه كما قام أصحاب الأئمة الأربعة، هذا الإمام الكبير العلم صنف كتاباً جليلاً وإن كان صغيراً، مع أن المصنفات تقاس بالكيف لا بالكم، الكتاب كان كذلك، ذكر فيه اختلاف الفقهاء أبي حنيفة ومالك والشافعي، وكانت بغداد آنذاك هي حاضرة الحنابلة، وكل الموجودين في بغداد حنابلة، فبينما هو يملي على أصحابه في المسجد الكبير في بغداد، إذ قال له رجل: لماذا لم تذكر أحمد من جملة الفقهاء؟ فقال له: وأحمد فقيه؟ فما أنهى هذه الكلمة حتى قاموا عليه بالحجارة جميعاً، فخرج الرجل هارباً إلى باب داره ونادى بإغلاق الباب وراءه، لكنهم ظلوا يرجمون الباب بالحجارة حتى ردموه، هذا الرجل الذي رمى ابن جرير بحجر هل يعرف شيئاً عن المذهب الحنبلي؟ لا يعرف شيئاً عن المذهب الحنبلي، أبوه كان حنبلياً، وجده كان حنبلياً، وهو تربى حنبلياً.