[نموذج آخر للبدعة الإضافية]
ذات مرة في رمضان كنت في درس، فسألني ولد عن قراءة: (قل هو الله أحد) بين التراويح أهي سنة أم بدعة؟ قلنا: بدعة، أخذ الولد هذا الكلام وذهب إلى أبيه -وكان أبوه رأس البدعة في بلده-، وهو الذي يبتدئ بقراءة: (قل هو الله أحد) ثم الناس يقرءون معه، فذهب وأنكر على أبيه، فجاء أبوه في موعد الدرس الثاني، واستمع، وبعدما انفض المجلس جاء فقال: أنت قلت لولدي: إن قراءة: (قل هو الله أحد) بين التراويح بدعة؟ قلت: نعم.
قال: قل هو الله أحد، ثلث القرآن بدعة! انظر كيف شدد! (قل هو الله أحد) ثلث القرآن بدعة! قلت له: أنا ما قلت إن قراءة القرآن بدعة، قلت إن قراءتك لـ (قل هو الله أحد) بين التراويح بدعة.
قال: أنا ارتكبت حراماً؟ فقلت له: لو أنك عطست الآن ماذا تقول؟ قال: أقول: الحمد لله، أو الحمد لله على كل حال.
قلت: فهل يجوز أن تقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؟ قال: لا، قلت: لماذا؟ الصلاة على الرسول حرام! يعني: هل أنت تحرم الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، والله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] ما رأيك هل أقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؟ قال: لا.
وهكذا كان من فضل الله عز وجل أنه اختصر المسألة، ولو كابر وقال: نعم يصح، كان سيحوجنا إلى أن نأتي بدليل آخر، لكن من فضل الله عز وجل أنه اختصر فقلت له: لماذا لا نصلي على الرسول في العطاس؟ قال: لأن الرسول لم يقل ذلك، قلت: هذا عين جوابي، فالرسول عليه الصلاة والسلام لمّا صلى التراويح هل كان يقرأ: (قل هو الله أحد) بين التراويح؟ فسكت قليلاً ثم قال -وهذا هو الشاهد-: يعني أنا مكثت ستين سنة مغفلاً؟! ما هو المانع؟ الصحابة رضوان الله عليهم قال غير واحد منهم: (كنا ضلالاً حتى جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ما هي المشكلة أن أكون أنا مغفلاً ثم رجعت؟! احمد الله أنك رجعت غيرك مات وهو مغفل، فاحمد الله أن مد في عمرك، وسخر لك من يوقظك، واحمد الله أن رزقك القبول والتسليم، هذه أشياء يستحق الإنسان أن يحمد الله عليها، فمضى الرجل ولم يقتنع، الأدلة كلها تكبله؛ لكن هذا هو الشاهد، لا يسلِّم، المشكلة أن البدعة يعتقد صاحبها أنها دين، لذلك كانت المعصية أفضل من البدعة، الزاني أفضل من المبتدع، شارب الخمر أفضل من المبتدع، قاتل النفس أفضل من المبتدع، وليس معنى أفضل أن القتل حلال، لا.
وإنما تفاضل في الشرع؛ لأن هناك كفراً دون كفر وظلماً دون ظلم، لماذا؟ لأن أي إنسان يعلم أن المعصية حرام وإن كابر فيها، فإذا علم أنها حرام يمكن أن يخرج منها يوماً بالتوبة.
كنت أخطب الجمعة في سنة من السنوات في القاهرة، وتكلمت عن الرجم، وأن الزاني المحصن يرجم، ويحفر له في الأرض حفرة، ثم يرجم بالحجارة حتى يموت، فهذا هو الحد، وتكلمت ومضيت في الكلام، وبعد أن انتهيت من الخطبة وخرجت من المسجد، رأيت رجلاً في نحو السبعين أو الثمانين من عمره، يقف أمامي وهو يرتعد، قلت: إن هذا رجل أعصابه تعبانة، وأطرافه تهتز، وكان كذلك، لكن لم يكن المرض العصبي عنده هو السبب المباشر لهذا فقط، هذا الرجل يسكن بعيداً عن المسجد فرجع إلى بيته بعد الخطبة، ثم قفل راجعاً إلى المسجد.
وقال لي: أريدك على انفراد.
ثم قال: أنا رجل عشت حياتي في الزنا، وأول مرة أسمع الكلام الذي قلته في الخطبة، كنت أريد أن أخرج من المسجد؛ لأني كنت أحس أنك ترجمني بالحجارة، لكن استحيت أن أقوم من المسجد، انتهت الصلاة لم أستطع المكوث في المسجد، ذهبت إلى البيت لكن ما استطعت القعود، ولا القيام، ولا استطعت الأكل ولا الشرب، بيتي بعيد، وليس عندي سيارة، ولكني رجعت لأسأل سؤالاً واحداً، هل يمكن أن تقبل توبتي؟! هذا الرجل الذي ظل يزني عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة، أكثر من الزنا حتى صار لا يعلم أهو حلال أم حرام؟! ولا يمكن أن يعتقد إنسان في حرام بحت أنه حلال، إلا إذا كان جاهلاً بالمرة عن هذا الشيء، الرسول عليه الصلاة والسلام عندما قسم الأشياء، جعلها ثلاثة: الحلال المحض البيَّن لا يحتاج إلى برهان، الحرام المحض البيَّن الذي لا يحتاج إلى برهان أيضاً، وبينهما الأمور المشتبهات.
قال بعض العلماء: كيف لا يفطر المرء على معرفة الحلال المحض من الحرام المحض، وقد فطر الله الحيوانات على معرفة ذلك؟ وضرب المثل الذي نعرفه نحن جميعاً، إذا أعطيت القط قطعة لحم أكلها بجانبك، أما إذا خطفها فإنه يولي هارباً، لماذا يولي هارباً إذا خطفها؟ لأنه سارق، لكن إذا أعطيتها له أكلها بجانبك؛ لأنها جاءت من الحل، إذاً الإنسان الذي ركب الله فيه آلة العقل لا يستطيع أن يجهل الحرام المحض! بل يعرفه، لكن يكابر.