للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك قوله –صلى الله عليه وسلم-: (ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره إلى جنبه جائع) ، فلم يرد في ذلك أنه ليس بمؤمن إيمانا خرج بتركه إياه إلى الكفر، ولكنه أراد به أنه ليس في أعلى مراتب الإيمان، وأشباه هذا كثيرة.

فكذلك قوله: (لا وضوء لم يسم) لم يرد بذلك أنه ليس بالمتوضئ وضوءا لم يخرج به من الحدث، ولكنه أراد أنه ليس بمتوضئ وضوءا كاملا في أسباب الوضوء الذي يوجب الثواب.

فلما احتمل هذا الحديث من المعاني ما وصفنا ولم يكن هناك دلالة يقطع بها لأحد التأويلين على الآخر وجب أن يجعل معناه موافقا لمعاني حديث المهاجر، حتى لا يتضادا.

فثبت بذلك أن الوضوء بلا تسمية يخرج به المتوضئ من الحدث إلى الطهارة.

وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنّا رأينا أشياء لا يدخل فيها إلا بكلام، منها العقود التي يعقدها بعض الناس لبعض من البياعات والإجارات والمناكحات والخلع وما أشبه ذلك، فكانت تلك الأشياء لا تجب إلا بأقوال وكانت الأقوال منها إيجاب، لأنه يقول:"قد بعتك، وقد زوجتك، قد خلعتك ".فتلك أقوال فيها ذكر العقود.

وأشياء تدخل فيها بأقوال وهي الصلاة والحج، فتدخل في الصلاة بالتكبير، وفي الحج بالتلبية، فكان التكبير في الصلاة والتلبية في الحج ركنا من أركانها.

ثم رجعنا إلى التسمية في الوضوء، هل تشبه شيئا من ذلك؟ فرأينا غير مذكور فيها إيجاب شيء كما كان في النكاح والبيوع.

فخرجت التسمية لذلك من حكم ما وضعنا، ولم تكن التسمية أيضاً ركناً من أركان الوضوء كما كان التكبير ركنا من أركان الصلاة، وكما كانت التلبية ركنا من أركان الحج، فخرج أيضاً بذلك حكمها من حكم التكبير والتلبية.

فبطل بذلك قول من قال: أنه لابد منها في الوضوء كما لابد من تلك الأشياء فيما يعمل فيه.

<<  <   >  >>