للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالنظر على ذلك، أن يكون كذلك، هو في حكم الأحداث أغلظ الأحداث، ويجب فيه أغلظ ما يجب في الأحداث، وهو الغسل.

وحجة أخرى في ذلك: أنا رأينا هذه الأشياء التي وجبت بالتقاء الختانين، فإذا كان بعدها الإنزال لم يجب بالإنزال حكم ثان، وإنما الحكم لالتقاء الختانين.

ألا ترى أن رجلا لو جامع امرأة جماع زناء، فالتقى ختاناهما، وجب الحد عليهما بذلك، ولو أقام عليهما حتى أنزل لم يجب بذلك عليه عقوبة، غير الحد الذي وجب عليه بالتقاء الختانين، ولو كان ذلك الجماع على وجه شبهة، فوجب عليه المهر بالتقاء الختانين، ثم أقام عليها حتى أنزل؛ لم يجب عليه في ذلك الإنزال شيء بعد ما وجب بالتقاء الختانين، وكان ما يحكم به في هذه الأشياء على من جامع فأنزل؛ هو ما يحكم به عليه إذا جامع ولم ينزل، وكان الحكم في ذلك هو لالتقاء الختانين لا للإنزال الذي يكون بعده.

فالنظر على ذلك، أن يكون الغسل الذي يجب على من جامع وأنزل، هو بالتقاء الختانين لا بالإنزال الذي يكون بعده.

فثبت بذلك قول الذين قالوا: إن الجماع يوجب الغسل، كان معه إنزال أو لم يكن.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وعامة العلماء رحمهم الله تعالى (١) .

٤- وقد ذكر أبو بكر الحازمي نحوا مما قدمناه من قول أبي جعفر الطحاوي، وذكر الأحاديث بأسانيده، ثم قال: " وقد صحت الأخبار في طرفي الإيجاب والرخصة، وتعذر الجمع، فنظرنا هل نجد مناصاً من غوائل التعارض من جهة التاريخ، حيث تعذر معرفته من صريح اللفظ؛ فوجدنا آثاراً تدل على ذلك وبعضها يصرح بالنسخ، فحينئذٍ تعين المصير إلى الإيجاب لتحقق النسخ في ذلك.

ثم ذكر بسنده ما يدل على النسخ من حديث أبي بن كعب المتقدم: "كان الماء من الماء شيئاً في أول الإسلام ثم ترك ذلك بعد، وأمروا بالغسل إذا مس الختان الختان". وقد أورد هذا عن أبي من قوله (٢) .


(١) شرح معاني الآثار (١/٥٣- ٦٢) .بتصرف
(٢) الاعتبار ص ٥٢-٦١ بتصرف.

<<  <   >  >>