للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: إنما وجب غسله تعبداً كما تغسل أعضاء الوضوء وتغسل اليد من نوم الليل قلنا الأصل وجوب الغسل من النجاسة بدليل سائر الغسل، ثم لو كان تعبداً لما أمر بإراقة الماء، ولما اختص الغسل بموضوع الولوغ لعموم اللفظ في الإناء كله، وأما غسل اليد من النوم فإنما أمر به للاحتياط لاحتمال أن تكون قد أصابتها نجاسة فيتنجس الماء فلا يصح به الوضوء، وغسل أعضاء الوضوء شرع للوضاءة والنظافة ليكون العبد في حال قيامه بين يدي الله تعالى على أحسن حال وأكملها.

ثم إن سلمنا ذلك فإنما عهدنا التعبد في غسل اليدين، أما الآنية والثياب فإنما غسلها من النجاسات وقد روي في لفظ (طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعاً) أخرجه أبو داود، ولا يكون الطهور إلا في محل الطهارة. وقولهم " إن الله تعالى أمر بأكل ما أمسكه الكلب قبل غسله" قلنا: الله تعالى أمر بأكله والنبي –صلى الله عليه وسلم- أمر بغسله فيعمل بأمرهما وإن سلمنا أنه لا يجب غسله، فلأنه يشق فعفي عنه، وحديثهم (١) قضية في عين يحتمل أن يكون الماء المسئول عنه كان كثيراً ولذلك قال في موضع آخر حين سئل عن الماء وما ينوبه من السباع " إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" (٢) ، ولأن الماء لا ينجس إلا بالتغير على رواية لنا، وشربها من الماء لا يغيره فلا ينجسه ذلك" (٣) .

أما الحديث الثاني فأجاب عنه بعض العلماء بعدة أجوبة إليك بيانها:

١- ذهب المنذري إلى أن الكلاب كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد، إذا لم يكن عليه غلق. واستبعد أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه.

وقد تعقب قوله هذا بأنه إذا قيل بطهارتها لم يمتنع ذلك كما في الهرة (٤) .


(١) حديث "سئل عن الحياض..".
(٢) تقدم تخريجه ص
(٣) المغني ١/٤١، ٤٢.
(٤) ينظر مختصر سنن أبي داود للمنذري، ومعالم السنن مع تهذيب ابن القيم ١/٢٢٦.

<<  <   >  >>