للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ما ذكرتم من النظر على تنجيسه فنظر أعشى لأنكم أخذتم حكم نجاسته من وجوب الاغتسال منه ولا ارتباط بينهما لا عقلاً ولا شرعاً ولا حساً، وإنما الشارع حكم بوجوب الغسل على البدن كله عند خروجه كما حكم به عند إيلاج الحشفة في الفرج ولا نجاسة هناك ولا خارج، وهذه الريح توجب غسل أعضاء الوضوء وليست نجسه ولهذا لا يستنجى منها ولا يغسل الإزار والثوب منها، فما كل ما أوجب الطهارة يكون نجسا ولا كل نجس يوجب الطهارة أيضا؛ فقد ثبت عن الصحابة أنهم صلوا بعد خروج دمائهم في وقائع متعددة وهم أعلم بدين الله من أن يصلوا وهم محدثون، فظهر أن النظر لا يوجب نجاسته والآثار تدل على طهارته وقد خلق الله الأعيان على أصل الطهارة فلا ينجس منها إلا ما نجسه الشرع وما لم يرد تنجيسه من الشرع فهو على أصل الطهارة والله أعلم" (١) .

قلت:

وبهذا يتبين لنا أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث فإما أن يحمل الأمر بالغسل على التنزه والاستحباب وإما أن يفصل في طريق إزالة المني بحسب حاله فيفرق بين يابسه ورطبه، فما كان يابساً اكتفي بفركه وحتِّه، وما كان رطباً غسل، كما دلت على ذلك الأحاديث المتقدمة، والله أعلم.


(١) بدائع الفوائد ٣/١٢٥، ١٢٦.

<<  <   >  >>