للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النبي صلى الله عليه وسلم: وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّة (١) ، وقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مَائِةَ مَرَّة (٢) . فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم - وشأنه دوام ذِكر الله تعالى - يفتر عن الذكر أحياناً، فيَعُدّ ذلك صلى الله عليه وسلم ذنباً فيشرع بالاستغفار والتوبة، فما بال أحدهم وقد استقر الغَيْنُ على قلبه ساعات، بل ربما أياماً، ولعل البعض قد علا رانُ الذنوب قلبَه، ثم يسأل مستغرباً كيف تسلط شيطان على قلبه؟! وكيف تلبس به وجرى في دمه؟! وكيف صرعه مس شيطاني، أو أضرّ به سحر سُفْلي، أو عانه عائن، أو أضر به شر حسد حاسد؟! حتى إذا استعصى علاج ذلك على الخلق عرف آنذاك أن ما أصابه كان بما كسبت يداه واشتغلت به يمناه، وبما أعرض قلبه عن ذكر مولاه، فيمّم وجهه مسارعاً إلى راقٍ يرقيه، أو صالح يدعو له، وكان الأجدر به أن يعلم ابتداءً أن لا ملجأ ولا منجىً من الله إلا إليه، وأن الأمر كله لله، فلو تعلق بالرقية أو بصلاح عبد وحسب، لم ينفعه ذاك، حتى يعود إلى مولاه ويطلب رضاه، عندها ينفع التحصينُ ويوفق الله الراقي والمسترقي، ويشفي الله عبده من كل ما يؤذيه، ويقوم كأنما نشط من عقال، وليس به ضُرٌّ مسَّه.


(١) أخرجه البخاري؛ كتاب: الدعوات، باب: استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة، برقم (٦٣٠٧) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه مسلم؛ كتاب: الذّكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه، برقم (٢٧٠٢) ، عن الأغرِّ المُزَني رضي الله عنه. ومعنى: «لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي» ، قال أهل اللغة: الغَيْنُ والغيمُ بمعنىً، - أي بمعنى واحد - والمراد هنا: ما يتغشى القلبَ من غفلات عن ذكر الله تعالى. انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج، للإمام النووي رحمه الله. (١٧/٢٦) .

<<  <   >  >>