يتبين من مجموع النصوص الشرعية، ثم من ثاقب فهم أهل العلم لها - جزاهم الله خيراً -، يتبين أن الاستعانة لفظ مجمل يندرج تحته مسمَّياتٌ شتى، فلا يسوغ الحكمُ بتحريمها على وجه الإجمال، بل يُنظَر فيما قُصِد بها، وبأي وسيلة تمت، فيكون الحكم بحسب ذلك النظر، وهاك بعض تفصيل لذلك:
- الاستعانة بمعنى الاستعاذة، ووسيلتها التوجّه، ومثالها: توجه بعض مشركي العرب إذا نزل وادياً مقفراً للالتجاء إلى سيد القوم من الجن في ذلك الوادي، ليقيَه الضُّرَّ - المحتمل حصوله من أشرار قومه - في نفسه أو ماله أو ولده، أو حتى ماشيته، وهذا، ولا ريب، فيه توجه إلى ما يظنه المستعيذ سلطاناً قاهراً يتملكه الجن، فيكون فيه نوع تعظيم لهم، فيحرم لذلك، بل ويكون فيه نوع شرك، لكون الاستعانة - بما لا يقدر عليه إلا الله - عبادة لغير الله سبحانه. قال الإمام القرطبي رحمه الله:(ولا خفاء أن الاستعاذة بالجن دون الاستعاذة بالله كفر وشرك)(١) .
- الاستعانة بمعنى الاستمتاع، ووسيلته الإقسام على الجن بأسماء من يعظّمونهم، فيحصل بذلك لكبراء الجن الرئاسةُ والجاه - بزعمهم - على الإنس فضلاً عن الجن، فينالون به حظاً من حظوظ الدنيا فيتلذذون لذلك. أما قضاء الحوائج للإنس مما يقدر عليه الجن، فإنه يحرم أيضاً، لكونه وسيلة للاعتقاد، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم.