تلك الوسيلة أداة الفتنة الأكثر خطراً، تدك بمعاولها حصون قلوب ذرية آدم، وذلك بإيهامهم بأن العين هي أداة للرؤية فقط، وأنها نعمة ننظر بها ما شئنا، وأن رؤية الأشياء هو أمر يوصلنا بما حولنا بطريق غير محسوس، فنتلذذ بالحياة، وننْعَم بمتاعها، ومن ثَمَّ فإن النظرة لن تضر البدن، ولذا فإنها لن توقع ضرراً يُذْكَر بالروح، فلماذا تُمنع إذاً أو يُطلب الحد من امتدادها؟! كل ذلك مما اعتادت الشياطين إلقاءه في صدور الناس، وهي تبعد عن تفكّرهم - ما وَسِعها إلى ذلك سبيلاً - مهامَّ البصر الأخرى، والتي خلقت العين لأجلها، وبأنها في الحقيقية تستميل هوى القلب، فيتعطل التعقل، وتنجرف الحواس تبعاً لتلك الأهواء، فتملي الشياطين عندها ما شاءت من أوامر ونواهٍ، وتحتنك الإنسان حيث أرادت فتهلكه، والعياذ بالله.
وسأورد - إن شاء الله - فيما يأتي بعض المهام والآثار المهمة، المنوطة بالبصر، مستدلاً عليها بنصوص كريمة، فتأمل بها ملياً ليتبين لك مدى خطورة هذه الحاسة، ولتحذر - إن شاء الله - أشد الحذر من استعمالها إلا فيما خُلِقت له، فتحصن نفسك من استهواء الشياطين لقلبك، وتنجو - بعون الله - مما يُحاك حولك من مكائد مهلكة.