[٣٩٠٥] فقد رَآنِي قَالَ الْكرْمَانِي أَي رُؤْيَته لَيست اضغاث احلام وَلَا تخيلات الشَّيْطَان كَمَا روى فقد رأى الْحق ثمَّ الرُّؤْيَة بِخلق الله لَا يشْتَرط فِيهَا مُوَاجهَة وَلَا مُقَابلَة فَإِن قيل كثيرا مَا يرى على خلاف صفة وَيَرَاهُ شخصان فِي حَاله فِي مكانين قلت ذَلِك ظن الرَّائِي انه كَذَلِك وَقد يظنّ الظَّان بعض الخيالات مرئيا لكَونه مرتبطا بِمَا يرَاهُ عَادَة فذاته الشَّرِيفَة هِيَ مرئية قطعا لَا خيال فِيهِ وَلَا ظن فَإِن قلت الْجَزَاء هُوَ الشَّرْط قلت أَرَادَ لَازمه أَي فليستبشر فَإِنَّهُ رأى وَقَالَ الْغَزالِيّ لَا يُرِيد انه رأى جسمي بل رأى مِثَالا صَار الة يتَأَدَّى بهَا معنى فِي نَفسِي اليه وَصَارَ وَسِيلَة بيني وَبَينه فِي تَعْرِيف الْحق إِيَّاه بل الْبدن فِي القيظة أَيْضا لَيْسَ إِلَّا آلَة النَّفس وَكَذَا من رأى الله بمثال محسوس من نور يكون ذَلِك صَادِقا وواسطة فِي التَّعْرِيف فَيَقُول الرَّائِي رَأَيْت الله تَعَالَى لَا بِمَعْنى رَأَيْت ذَاته وَالْحق ان مَا يرَاهُ حَقِيقَة روحه الْمُقَدّس صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيعلم الرَّائِي كَونه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخلق علم لَا غير وَقَالَ الطَّيِّبِيّ قَوْله فقد رَآنِي اتِّحَاد الشَّرْط وَالْجَزَاء يدل على الْمُبَالغَة أَي رأى حقيقتي على كمالها قَالَ الباقلاني أَي رُؤْيَاهُ صَحِيحَة لَيست بأضغاث احلام وَلَا من تشبيهات الشَّيْطَان إِذْ قد يرَاهُ على خلاف صفته أَو شخصان فِي حَالَة فِي مكانين وَقَالَ اخرون بل هُوَ على ظَاهره وَخلاف صفته تَغْيِير فِي الصّفة لَا فِي الذَّات وَكَذَا لَو رَآهُ يَأْمر بقتل من يحرم قَتله كَانَ هَذَا صِفَاته المتخيلة لَا المرئية قَالَ القَاضِي لَعَلَّه مُقَيّد بِمَا رَآهُ على صفته وان خَالف كَانَ رُؤْيا تَأْوِيل لَا رُؤْيا حَقِيقَة وَهُوَ ضَعِيف وَالصَّحِيح انه يرَاهُ حَقِيقَة سَوَاء كَانَ على صفته أَو خلَافهَا وروى فسيراني مَوضِع فقد رَآنِي وَالْمرَاد حنيئذ أهل عصره أَي يوفقه لِلْهِجْرَةِ اليه أَو يرى تَصْدِيق رُؤْيَاهُ فِي الْآخِرَة أَو يرَاهُ رُؤْيَة خَاصَّة فِي الْقرب مِنْهُ والشفاعة أَو يرَاهُ كشفا وعيانا بعد قطع العلائق وصفاء الْقلب كَمَا نقل عَن بعض الصلحاء هَذَا زبدة مَا فِي شُرُوح البُخَارِيّ وَالْمُسلم وَغَيرهمَا (فَخر)
[٣٩٠٦] وتخويف من الشَّيْطَان وَفِي رِوَايَة الرُّؤْيَا من تحزين الشَّيْطَان أَي من فعل الشَّيْطَان يلْعَب بالإنسان ويريه مَا يحزنهُ وَله مَكَائِد يحزن بني ادم (إنْجَاح)
قَوْله
[٣٩٠٧] وَمِنْهَا جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين الخ قَالَ فِي النِّهَايَة إِذْ كَانَ عمره ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَمُدَّة وحيه ثَلَاثًا وَعشْرين وَمُدَّة الرُّؤْيَا سِتَّة اشهر وروى جُزْء من خمس وَأَرْبَعين وَوَجهه انه مَاتَ فِي اثناء السّنة الثَّالِثَة بعد السِّتين وروى من أَرْبَعِينَ فَيحمل على من روى ان عمره سِتِّينَ سنة قَالَ النَّوَوِيّ وَجه الطَّبَرِيّ اخْتِلَاف الرِّوَايَات فِي عدد مَا هِيَ جُزْء مِنْهُ باخْتلَاف حَال الرَّائِي بالصلاح والعنق وَقيل بِاعْتِبَار الْخَفي والجلي من الرُّؤْيَا وَقيل كَانَ مُدَّة النُّبُوَّة ثَلَاثًا وَعشْرين وَمُدَّة الرُّؤْيَا قبلهَا سِتَّة اشهر فَهِيَ جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين وَفِيه نظر إِذْ لم يثبت ان مدَّتهَا قبلهَا سِتَّة اشهر وَلِأَنَّهُ رآى بعْدهَا منامات كَثِيرَة وَلِأَنَّهُ لَا يطرد فِي جَمِيع الرِّوَايَات وَلَو تكلّف وَقيل ان للمنامات شبها مِمَّا حصل لَهُ وميز بِهِ من النُّبُوَّة بِجُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين لَكَانَ لَهُ وَجه (فَخر)
قَوْله
[٣٩٠٩] الرُّؤْيَا من الله والحلم من الشَّيْطَان ذكر فِي الْمجمع هما مَا يرَاهُ المنائم لَكِن غلب الرُّؤْيَا على الْخَيْر وَالْحسن والحلم فِي السيء والقبيح قَوْله فليبصق عَن يسَاره ثَلَاثًا يَعْنِي طردا للشَّيْطَان (إنْجَاح)
قَوْله
[٣٩١٤] الرُّؤْيَا على رجل طَائِر الخ رجل طَائِر بِكَسْر رَاء وَسُكُون جِيم أَي على رجل تدرجا وَقَضَاء مَاض من خير أَو شَرّ وَأَنه هُوَ الَّذِي قسمه الله تَعَالَى لصَاحِبهَا من قَوْلهم اقتسموا دَارا فطاوسهم فلَان فِي ناحيتها أَي وَقع سَهْمه وَخرج وكل حَرَكَة من كَلمته أَو شَيْء تجْرِي لَك فَهُوَ طَائِر يَعْنِي ان الرُّؤْيَا هِيَ الَّتِي يعبرها الْمعبر الأول فَكَانَت على رجل طَائِر فَسَقَطت حَيْثُ عبرت كَمَا يسْقط مَا يكون على رجل طَائِر أدنى حَرَكَة كَذَا فِي الْمجمع وَقيل شبه بِرَجُل طَائِر لِأَنَّهَا لَا يثبت فِي مَكَان فَكَذَلِك الرُّؤْيَا مَتى لم تعبر لمن تكن ثَابِتَة فَإِذا عبرت سَقَطت واستقرت (إنْجَاح)
قَوْله الرُّؤْيَا على رجل طَائِر الخ فَإِن قيل كَيفَ يكون على رجل طَائِر وَكَيف يُؤَخر عَمَّا تبشر بِهِ أَو تنذر مِنْهُ بِتَأْخِير التَّعْبِير وَتَقَع إِذا عبرت وَهَذَا يدل على انها ان لم تعبر لم تقع الْجَواب انه من قَوْلهم هُوَ على رجل طَائِر إِذا لم يسْتَقرّ يُرِيد انه لَا يطمئن وَلَا يقف فَالْمُرَاد انها تجول فِي الْهَوَاء حَتَّى تعبر فَإِذا عبرت وَقعت وَلم يرد ان كل من عبرها من النَّاس وَقعت كَمَا عبر بل أَرَادَ الْعَالم الْمُصِيب الْمُوفق وَكَيف يكون الْجَاهِل المخطي عابرا وَهُوَ لم يصب وَلم يُقَارب وَلَا أَرَادَ ان كل رُؤْيا تعبر وتتاول لِأَن أَكْثَرهَا اضغاث احلام فَمِنْهَا مَا يكون عَن غَلَبَة طبيعة أَو حَدِيث نفس أَو شَيْطَان وَإِنَّمَا الصَّحِيحَة مَا يَأْتِيهِ ملك الرويا عَن أم الْكتاب فِي الْحِين بعد الْحِين قَالَه المغيث
قَوْله
[٣٩١٥] اعتبروها بأسمائها أَي اخْرُجُوا تعبيرها من الِاسْم واجعلوه عِبْرَة وَقِيَاسًا مِثَاله مَا روى مُسلم عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْت ذَات لَيْلَة فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي فِي دَار عقبَة بن رَافع فأتينا برطب من رطب بن طَابَ فأولت ان الرّفْعَة لنا فِي الدُّنْيَا والعافية فِي الْآخِرَة وان ديننَا قد طَابَ (إنْجَاح)
قَوْله وكنوها بكناها الكنى جمع كنية من كنوت عَنهُ وكنيت عَنهُ إِذا اوريت عَنهُ بِغَيْرِهِ أَرَادَ مثلوها امثالا إِذا عبرتموها وَهِي الَّتِي يضْربهَا ملك الرُّؤْيَا للرجل فِي مَنَامه لِأَنَّهُ يكنى بهَا عَن أَعْيَان الْأُمُور كَقَوْلِهِم فِي تَعْبِير النّخل انها رجال ذَوُو احساب من الْعَرَب وَفِي الْجَوْز انها رجال من الْعَجم لِأَن النّخل أَكثر مَا يكون فِي بِلَاد الْعَرَب والجوز أَكثر مَا يكون فِي بِلَاد الْعَجم ذكره فِي الْمجمع (إنْجَاح)
قَوْله
[٣٩١٦] من تحلم حلما كَاذِبًا أَي ادّعى الرُّؤْيَا كَذَا بأكلف ان يعْقد بَين شعيرتين وَإِنَّمَا زَاد عُقُوبَة مَعَ ان كذبه فِي مَنَامه لَا يزِيد على كذبه فِي يقظته لِأَن الرُّؤْيَا بِحكم هَذَا الحَدِيث جُزْء من النُّبُوَّة وَهِي وَحي فالكذب فِيهِ كذب على الله وَهُوَ أعظم فِرْيَة من الْكَذِب على الْخلق أَو على نَفسه وَقَالَ الْكرْمَانِي الرُّؤْيَا والحلم مُتَرَادِفَانِ لُغَة والتخصيص شَرْعِي والتكليف بِالْعقدِ نوع تَعْذِيب فَلَا يدل على تَكْلِيف مَالا يُطَاق انْتهى (فَخر)
قَوْله