[٣٩٣١] فِي حجَّة الْوَدَاع الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة بِفَتْح الْحَاء وَقَالَ الْهَرَوِيّ وَغَيره من أهل اللُّغَة المسموع من الْعَرَب فِي وَاحِدَة الْحَج حجَّة بِكَسْر الْحَاء قَالُوا وَالْقِيَاس فتحهَا لكَونهَا اسْما للمرة الْوَاحِدَة وَلَيْسَت عبارَة عَن الْهَيْئَة حَتَّى تكسر قَالُوا فَيجوز الْكسر بِالسَّمَاعِ وَالْفَتْح بِالْقِيَاسِ انْتهى وَسميت بذلك لِأَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودع النَّاس فِيهَا وعلمهم فِي خطْبَة فِيهَا أَمر دينهم واوصاهم بتبليغ الشَّرْع الى من غَابَ وَقَالَ الا فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وَقَوله كَحُرْمَةِ يومكم أَي كَحُرْمَةِ انتهاك الدَّم والاموال والاعراض فِي هَذَا الْيَوْم والشهر والبلد وَلَا يلْزم تَشْبِيه الشَّيْء بِنَفسِهِ فَإِن الثَّانِيَة اغلظ وَمُسلم عِنْد الْخصم وَمعنى الحَدِيث ان دماؤكم واموالكم متأكدة التَّحْرِيم شديدته وَفِي هَذَا دَلِيل بِضَرْب الْأَمْثَال والحاق النظير بالنظير قِيَاسا (فَخر)
[٣٩٣٢] وان نظن بِهِ الْأَخير الظَّاهِر انه عطف على مَاله وَدَمه وهما مَعَ مَا عطف عَلَيْهِمَا بِالْجَرِّ بدل من الْمُؤمن فِي قَوْله لحُرْمَة الْمُؤمن أَي كَحُرْمَةِ مَال الْمُؤمن وَدَمه وَحُرْمَة الظَّن بِهِ سوى الْخَيْر أعظم حُرْمَة مِنْك أَي حرَام علينا ان نظن بِالْمُسلمِ الا ظن الْخَيْر قَالَ فِي الْمجمع هُوَ تحذير عَن الظَّن بالسوء على الْمُسلمين وَفِيمَا يجب لَهُ الْقطع فِي الاعتقاديات فَلَا يُنَافِي ظن الْمُجْتَهد والمقلد فِي الاحكام والمكلف فِي المشتبهات وَلَا حَدِيث الحزم سؤ الظَّن فَإِنَّهُ فِي أَحْوَال نَفسه خَاصَّة قلت المُرَاد من أَحْوَال نَفسه خَاصَّة ان لَا يخْتَلط بِكُل وَاحِد من النَّاس ويحترز بدمه وَمَاله لَا سِيمَا فِي زَمَاننَا لِكَثْرَة الخداع والغرور وَقد ورد احترسوا من النَّاس سوء الظَّن وَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي فِي الْكَامِل ذكره السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِع الصَّغِير وَإِنَّمَا قَالَ حُرْمَة الْمُؤمن أعظم عِنْد الله حُرْمَة مِنْك لِأَن فيهم الْأَنْبِيَاء والصلحاء لَا سِيمَا النُّور الأول المحمدي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا شرف الْكَعْبَة لتعبد الْمُؤمن اليه فَهَذَا يدل على مسجودية وان المسجودية لَا تدل على الْفَضِيلَة الْكُلية وَفضل الْكَعْبَة فضل جزئ وَفضل الْإِنْسَان كلي ومثاله ان نَبينَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر بِاتِّبَاع الْملَّة الابراهيمة بِسَبَب فضل هُوَ النحلة فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام رَئِيس ذَلِك الْمقَام وَغَيره تبع لَهُ فَأمر نَبينَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنيل ذَلِك الْمقَام وَذَلِكَ باتباعه عَلَيْهِ السَّلَام (إنْجَاح)
قَوْله
[٣٩٣٣] وَعرضه هُوَ بِكَسْر عين قَالَ فِي النِّهَايَة هُوَ مَوضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان سَوَاء كَانَ فِي نَفسه أَو سلفه أَو من يلْزمه امْرَهْ وَقيل هُوَ جَانب الَّذِي يصونه من نَفسه وحسبه ويحامي عَنهُ ان ينتقص ويثلب وَقيل نَفسه وبدنه لَا غير انْتهى
قَوْله
[٣٩٣٤] الْمُؤمن من امنه النَّاس أَي الْكَامِل لِأَن مَادَّة الْإِيمَان الامن وَهَكَذَا فِي المُهَاجر لِأَن الْهِجْرَة من دَار الْكفْر الى دَار الْإِسْلَام جملَة مِنْهَا وان السّكُون فِي دَارهم خَطِيئَة فَهَذِهِ هِجْرَة كبرى وَهِي هِجْرَة صغرى كَمَا ان جِهَاد النَّفس الْجِهَاد الْأَكْبَر وَجِهَاد الْكفَّار الْجِهَاد الْأَصْغَر كَمَا روى رَجعْنَا من الْجِهَاد الْأَصْغَر الى الْجِهَاد الْأَكْبَر (إنْجَاح)
قَوْله
[٣٩٣٥] نهبة مَشْهُورَة صفة كاشفة للنهبة لِأَن النهبة أَكثر مَا يكون بالشهرة وَالْفِسْق الظَّاهِر أَشد من الْفسق الْخَفي (إنْجَاح)
قَوْله
[٣٩٣٦] لَا يَزْنِي الزَّانِي الخ ذَر أَو مُسلم فِي رِوَايَة التَّوْبَة معروضة بعد قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا الحَدِيث مِمَّا اخْتلف الْعلمَاء فِي مَعْنَاهُ فَالْقَوْل الصَّحِيح الَّذِي قَالَه الْمُحَقِّقُونَ ان مَعْنَاهُ لَا يفعل هَذِه الْمعاصِي وَهُوَ كَامِل الْإِيمَان وَهَذَا من الْأَلْفَاظ الَّتِي تطلق على نفي الشَّيْء وَيُرَاد نفي كَمَاله ومختاره كَمَا يُقَال لَا علم الا مَا نفع وَلَا مَال الا الْإِبِل ولاعيش الا عَيْش الْآخِرَة وَإِنَّمَا تأولناه على مَا ذَكرْنَاهُ لحَدث أبي ذَر وَغَيره من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وان زنا وان سرق وَحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت الصَّحِيح الْمَشْهُور انهم بَايعُوهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ان لَا يسرقوا وَلَا يزنوا وَلَا يعصوا الى آخِره ثمَّ قَالَ لَهُم عَلَيْهِ السَّلَام فَمن وفى مِنْكُم فاجره على الله وَمن فعل شَيْئا من ذَلِك فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة وَمن فعل وَلم يُعَاقب فَهُوَ الى الله ان شَاءَ عفى عَنهُ وان شَاءَ عذبه فهذان الحديثان مَعَ نظائرهما فِي الصَّحِيح مَعَ قَول الله عز وَجل ان الله لَا يغْفر ان يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء مَعَ إِجْمَاع أهل الْحق على ان الزَّانِي وَالسَّارِق وَالْقَاتِل وَغَيرهم من أَصْحَاب الْكَبَائِر غير الشرَاك لَا يكفرون بذلك بل هم مُؤمنُونَ ناقصوا الْإِيمَان ان تَابُوا سَقَطت عقوبتهم وان مَاتُوا مصرين على الْكَبَائِر كَانُوا فِي المشية فَإِن شَاءَ الله تَعَالَى عَفا عَنْهُم وادخلهم الْجنَّة اولا وان شَاءَ عذبهم ثمَّ ادخلهم الْجنَّة فَكل هَذِه الدَّلَائِل تضطرنا الى تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث وَشبهه ثمَّ ان هَذَا التَّأْوِيل ظَاهر شَائِع فِي اللُّغَة مُسْتَعْمل فِيهَا كثيرا وَإِذا ورد حديثان مُخْتَلِفَانِ ظَاهرا وَجب الْجمع بَينهمَا وَقد وردا هَهُنَا فَيجب الْجمع وَقد جمعناه وَتَأَول بعض الْعلمَاء هَذَا الحَدِيث على من فعل ذَلِك مستحلا مَعَ علمه بورود الشَّرْع بِتَحْرِيمِهِ وَقَالَ الْحسن وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ مَعْنَاهُ ينْزع مِنْهُ اسْم الْمَدْح وَالَّذِي يُسمى بِهِ أَوْلِيَاء الله الْمُؤمنِينَ وَيسْتَحق اسْم الذَّم فَيُقَال سَارِق وزان وَفَاجِر وفاسق وَحكى عَن بن عَبَّاس رَضِي ان مَعْنَاهُ ينْزع مِنْهُ نور الْإِيمَان وَفِيه حَدِيث مَرْفُوع وَقَالَ بن الْمسيب ينْزع مِنْهُ بصيرته فِي طَاعَة الله تَعَالَى وَذهب الزُّهْرِيّ الى ان هَذَا الحَدِيث وَمَا اشبه يُؤمن بهَا وتمر على مَا جَاءَت وَلَا يخاض فِي مَعْنَاهَا وَإِنَّا لَا نعلم مَعْنَاهَا وَقَالَ أمروها كَمَا أمرهَا من قبلكُمْ انْتهى وَقَالَ القَاضِي أَشَارَ بعض الْعلمَاء إِلَى أَن مَا فِي هَذَا الحَدِيث تَنْبِيه على
جَمِيع أَنْوَاع الْمعاصِي والتحذير مِنْهَا فنبه بِالزِّنَا على جَمِيع الشَّهَوَات وبالسرقة على الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا والحرص على الْحَرَام وبالخمر على الْجَمِيع مَا يصد عَن الله تَعَالَى وَيُوجب الْغَفْلَة عَن حُقُوقه وبالانتهاب الْمَوْصُوف على الاستخفاف بعباد الله وَترك توقيرهم وَالْحيَاء مِنْهُم وَجمع الدُّنْيَا من غير وَجههَا انْتهى قلت هَذَا مَذْهَب أهل الْحق وخالفت الْمُعْتَزلَة فِي هَذَا فَقَالُوا مرتكبوا الْكَبَائِر كافرون وَيرد قَوْلهم هَذَا الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع كَمَا لَا يخفى هَكَذَا قيل فِي هَذَا الْمقَام (فَخر)
قَوْله
[٣٩٣٨] ان النهبة لَا تحل لَيْسَ المُرَاد ان النهبة من الْكفَّار لَا تحل بل لِأَن المَال غير مقسوم مشَاع ملك الْغَانِمين (إنْجَاح)
قَوْله
[٣٩٣٩] سباب الْمُسلم فسوق الخ قَالَ النَّوَوِيّ السب فِي اللُّغَة الشتم والتكلم فِي عرض الْإِنْسَان بِمَا يعِيبهُ وَالْفِسْق فِي اللُّغَة الْخُرُوج وَالْمرَاد بِهِ فِي الشَّرْع الْخُرُوج عَن الطَّاعَة وَأما معنى الحَدِيث فسب الْمُسلم بِغَيْر حق حرَام بِإِجْمَاع الْأمة وفاعله فَاسق كَمَا أخبر بِهِ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واما قِتَاله بِغَيْر حق فَلَا يكفر بِهِ عِنْد أهل الْحق كفرا يخرج بِهِ عَن الْملَّة الا إِذا استحله فَإِذا تقرر هَذَا فَقيل فِي تَأْوِيل الحَدِيث قَالَ أَحدهَا انه فِي المستحل وَالثَّانِي ان المُرَاد كفر الْإِحْسَان وَالنعْمَة وأخوة الْإِسْلَام لَا كفر الْجُحُود وَالثَّالِث انه يؤل الى الْكفْر بشومه وَالرَّابِع انه كَفعل الْكفَّار ثمَّ ان الظَّاهِر من قِتَاله الْمُقَاتلَة الْمَعْرُوفَة وَقَالَ القَاضِي وَيجوز ان يكون المُرَاد المشاجرة والمدافعة انْتهى
قَوْله