للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

س ١٣: ما معنى قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} (١) [البقرة: ٢٨٤] . وكيف نجمع بين معناها وبين الحديث الشريف الذي معناه: أن الله تعالى تجاوز عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به؟

الجواب: هذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة رضي الله عنهم لما نزلت، وهي قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (٢) [البقرة: ٢٨٤] ، شق عليهم هذا الأمر، وجاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا» (٣) فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله بعدها قوله سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (٤) {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٥) [البقرة: ٢٨٥، ٢٨٦] .

فسامحهم الله وعفا سبحانه وتعالى، ونسخ ما دل عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا أو بما أصروا عليه وثبتوا عليه، وأما ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب فهذا معفو عنه؛ ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم» (٦) .

فزال هذا الإشكال والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤاخذ إلا بما


(١) سورة البقرة الآية ٢٨٤
(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٤
(٣) صحيح مسلم الإيمان (١٢٥) ,مسند أحمد بن حنبل (٢/٤١٢) .
(٤) سورة البقرة الآية ٢٨٥
(٥) سورة البقرة الآية ٢٨٦
(٦) صحيح البخاري الطلاق (٤٩٦٨) ,صحيح مسلم الإيمان (١٢٧) ,سنن الترمذي الطلاق (١١٨٣) ,سنن النسائي الطلاق (٣٤٣٣) ,سنن أبو داود الطلاق (٢٢٠٩) ,سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠٤٠) ,مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٩١) .

<<  <   >  >>