الأسباب تصور جزءًا من الحقيقة، ولكن "كتل" يربط بينهما وبين الثورة الإنجليزية، تلك الثورة التي لم تكتفِ بأن تطور علاقات الناس الاجتماعية، بل امتدت إلى تطوير نظرتهم إلى الحياة وفلسفتهم وفنهم.
وأما القصة القصيرة فهي حديثة العهد في الظهور، وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر الأنواع الأدبية رواجًا. وقد ساعد على ذلك طبيعتها والعوامل الخارجية.
أما من حيث طبيعتها فقد أغرت كثيرًا من الشبان بكتابتها، برغم أنها في الحقيقة أصعب أنواع القصص؛ ولذلك يخفق ٧٠% على الأقل في كتابتها.
وأما من حيث العوامل الخارجية فقد تميز عصرنا بالآلية والسرعة، وظهرت مئات الصحف والمجلات التي تحتاج كل يوم لمئات القصص. وهي بحكم الحيز والناحية الاقتصادية تفضل القصة القصيرة.
والإذاعة كذلك -لأنها بحكم عامل الزمن لا تستطيع أن تمنح المتحدث أكثر من ربع ساعة- قد ساعدت على رواج القصة القصيرة. والناس أنفسهم قد أخذتهم السرعة، فهم في كل مظاهر حياتهم ميالون إلى التخفف والبساطة, وكان هذا طابعهم فيما يختارون للقراءة، فوجدوا في القصة القصيرة ما ينشدون. ثم لا ننسى عامل القلق الذي يسود الإنسانية، والذي لا يتيح للناس الحالة النفسية اللازمة لقراءة قصة طويلة أو رواية تحتاج إلى استرخاء ذهني ونفسي, أمدًا بعيدًا، كما كان الشأن في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا، يوم كانت الرواية تطول وتطول إلى أن تملأ المجلدات, ويجلس إليها القارئ يقطع بقراءتها ليالي فصل الشتاء الطويلة.
ومن الصعب أن نجد تحديدًا نهائيًّا لمنهج القصة القصيرة، برغم اتفاقنا على مجموعة من الأصول والظواهر العامة التي تبرز في هذا الفن. فبرغم الإطار الضيق نسبيا الذي تتحرك فيه القصة القصيرة، ما زال هناك تنوع ملحوظ في المناهج التي يتبعها كتاب هذا الفن. وكل من هؤلاء الكتاب إنما يصدر عن تصور خاص لعوامل التأثير في القصة القصيرة وفي الهدف منها، فهم -بعبارة أخرى- يختلفون في المنهج من حيث الغاية, والوسيلة.
المؤكد أن غاية الجميع هي أن يبدعوا عملا فنيا، فهم في ذلك متفقون لا محالة، وإنما يقصد بالغاية هنا الغاية التي يحققها كل منهم بالنسبة لقارئه.
فمن الكتاب من يحرص على أن يقول للقارئ كل شيء تفصيلا، وألا يترك للقارئ شيئًا يستكشفه بنفسه، أو يترك له فرصة استنباط شيء وراء المواقف ووراء الكلمات.