للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصته، لا مجموعة من الأفكار، مهما يكن بينها من ارتباط، كما هو الشأن في القصة الطويلة١.

وما يقال عن الزمان يقال عن الشخصيات، فالقصة القصيرة تفضل أقل عدد ممكن من الشخصيات، خلافًا للقصة والرواية، حيث يكثر الأشخاص. فليس في القصة القصيرة فرصة لرسم هذا العدد الكبير من الشخصيات؛ لضيق الحيز من جهة، ولأن القصة ذاتها لم تنشأ لتحليل عدد كبير من الشخصيات من جهة أخرى؛ ومع ذلك فمن الممكن أن تكثر الشخصيات في القصة القصيرة، ولكنها لا بد أن تكون في مجموعها وحدة، أي أن يجمعها غرض واحد، تمامًا كما تحدث "بو" عن العواطف الكثيرة التي قد تتضمنها القصة القصيرة، على أن تكون قد أثارها موقف واحد.

كل هذا يجعل صفة "التركيز" أساسية في القصة القصيرة، فهي أساسية في الموضوع، وفي الحادثة وطريقة سردها، أو في الموقف وطريقة تصويره، أي: في لغتها. ويبلغ التركيز حد أنه لا تستخدم لفظة واحدة يمكن الاستغناء عنها، أو يمكن أن يستبدل بها غيرها، فكل لفظة تكون موحية، ويكون لها دورها، تمامًا كما هو الشأن في الشعر.

أما الرواية فهي في رأيي الصورة الأدبية النثرية التي تطورت عن الملحمة القديمة, وقد كان ظهورها مرتبطًا في أوروبا -كما يذهب "كتل Kettle"- بالنظام الإقطاعي الذي ساد العصور الوسطى، فالرواية كانت الأدب الأرستقراطي غير الواقعي للنظام الإقطاعي. وهي لم تكن واقعية بمعنى أن الهدف منها لم يكن لمساعدة الناس مساعدة إيجابية في حل المشكلات المتعلقة بأمور الحياة، ولكن للانتقال بهم إلى عالم مثالي مختلف عن عالمهم هو أجمل منه وأحسن. وكان أرستقراطيًّا لأن الاتجاهات التي عبر عنها، والتي أوصى بها، كانت -على وجه التحديد- الاتجاهات التي ترغب الطبقة الحاكمة في تشجيعها لكي يظل وضعها المكتسب مستمرًّا إلى الأبد.

وأما القصة فقد كان ظهورها -في رأي من الآراء- رد فعل لرواية العصور الوسطى وما بعدها في القرنين السادس عشر والسابع عشر من روايات، وفي رأي آخر نتيجة لظهور شعب قارئ والحاجة إلى ما يقرأ من مادة أدبية. وقد احتلت القصة في القرن الثامن عشر في إنجلترا مكان المسرحية الشعرية. "وقد كانت القصة أنجح في تصوير الشخصية -وهي تعمل وتتحرك- من المسرحية. ثم إن العقول التي كان من الممكن أن تجتذبها المسرحية في العصور الأخرى اجتذبها القصص"٢. وقد يقال: إن القصة ظهرت بظهور طبقة البرجوازية التجارية القوية التي تمثل الطبقة الوسطى. وهذه


١ انظر: Hudson., p. ٤٣٥.
٢ Liddel: A Treatiste on the Novel., ١٧-١٨.

<<  <   >  >>