للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جلال، وأنه يستطيع أن يكون ندًّا له، برغم الغنى الذي يتمتع به السيد جلال، وضيق الحال الذي يعاني منه سيد. فلم تكن المسألة أمامه مسألة ثروة أو غنى، ولكنها مسألة حق في الحياة وكرامة إنسانية. وعلى هذا الأساس تحدى ولي نعمته، وإن كان يحس بأن هذا التحدي قد قطع أمله في الحصول على منى.

ثم يمضي إلى التفكير في نفسه وفي الحياة وفي الناس. وتستمر فترة انطواء يعاني فيها شيئًا كثيرًا من الألم، ويحس الفقدان إحساسًا قويًّا، ففي هذه اللحظة اتضح له أنه فقد كل شيء وأنه كان مخطئًا يوم تخلف عن المدرسة. وهو ينظر الآن فيجد زملاءه قد ظفروا بالشهادات العالية, وأصبحوا أشخاصًا لهم مكانتهم في المجتمع، وفي وسعهم أن يقوموا بأعباء الحياة. وعندئذ يفكر في العودة إلى المدرسة، والحصول على شهادة البكالوريا، ولكنه كان يعرف تمامًا أن هذه العملية لن تكون لها قيمة كبيرة؛ لأن حصوله على البكالوريا يقتضي منه أن يتم تعليمه العالي. وهذا بدوره يحتاج منه إلى مال كثير فضلا عن حاجة عائلته وحاجة أخته منيرة, التي كانت على وشك أن تحصل بدورها على شهادة البكالوريا.

ومع كل هذا ذهب إلى صديقه عبد الحميد عباس المدرس ليجد فيه عونًا له على التقدم للبكالوريا والتحضير لها. وهو ينجح في الحصول على هذه الشهادة، ولكنه كما كان متوقعًا، لا يكاد يفيد منها شيئًا، بل جاءت فائدته من ناحية أخرى وفي ميدان آخر هو ميدان التجارة. فهو منذ أن تحدى السيد جلال عوّل على أن يبدأ مثله تاجرًا بسيطًا حتى يصير يومًا ما منافسًا له في ميدان التجارة، ويقف معه على قدم المساواة.

ويحمل الفتى موازينه وعشرين جنيهًا كان قد ادخرها في أثناء عمله بالمحلج، ويمضي نحو الريف إلى السوق ليبتاع وليمارس التجارة. وهو في طريقه إلى السوق يقابل صديقه القديم حمادة الأصفر, وحمادة شخصية لها دور كبير في القصة، يبدأ منذ هذه اللحظة. وكانت لحمادة هذا خبرة بالتجارة -تجارة القطن بخاصة- تفوق ما يعرفه سيد. ويتفق الاثنان معًا، ويكون من هذه الشركة مكسب كبير لهما معًا. وتستمر هذه الشركة بعض الوقت وإن كان سيد يتحملها على كره منه, فقد كان حمادة هذا كريهًا بغيضًا له. وينجح سيد في أن يجمع بعض المال من هذه التجارة الصغيرة ليشتري صفقة أكبر يبيعها إلى السيد جلال ويربح فيها ربحًا كبيرًا، يكتشف بعده بفضل حمادة أنه كان من الممكن أن يخرج منها بربح أكثر.

وهكذا كادت العلاقة بين سيد والسيد جلال تعود مرة أخرى إلى مجاريها الطبيعية, ولكن حدث ما جعل هذه العلاقة تمضي في توترها حين جاء موسم

<<  <   >  >>