للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن تجتذب أكبر عدد ممكن من الأصدقاء، هذا يتفاعل مع جانب، وذلك مع جانب آخر. إشعاعات كثيرة كما قلنا تلك التي تصدر عن الطاقة الهائلة الكامنة في العمل الأدبي. وكل منا يتلقى من هذه الإشعاعات بمقدار استعداده للتفاعل، وتبادل الفهم والتفاهم.

فمن أراد من العمل الأدبي صورة جامدة من الألفاظ فإنه واجد من هذه الصورة، ومن أراد شخصية حية نابضة فإنه واجد هذه الشخصية هذه إشعاعة وتلك إشعاعة، ولكن فرق بين من يتذوق الأدب روحًا، ومن يتذوقه صورة جامدة.

هكذا تقوم للعمل الأدبي شخصيته، ويتحدد ما فيه من طاقة وقوة بمقدار ما يستمد من الحياة، وما يوصله إلى نفوس الآخرين من خبرة جديدة وفهم عميق لهذه الحياة. ولكن يبدو أننا نتساهل كثيرًا في هذا التصور؛ لأن كل ما يربطنا في الواقع بالأديب لا يزيد عن ألفاظ, وكأن كل ما حسبناه للعمل الأدبي من قوة هو كامن في الكلمات، فالأدب -كما سبق- تعبير عن الحياة "أداته اللغة", فكأن اللغة هي الظاهرة الأولى التي ينبغي الوقوف عندها عندما نتحدث عن الأدب؛ لأن الأدب لا يمكن أن يتحقق إلا فيها, وحين يفرغ الأديب من أداء كلماته يكون -في الواقع- قد فرغ من أداء عمله الأدبي.

وليس هذا في الحقيقة تبسيطًا للموضوع، فقد يبدو أن استخدام اللغة للتعبير أمر غاية في السهولة. ألسنا نستخدم اللغة كل يوم وكل دقيقة في قضاء حاجتنا، وفي التفاهم مع غيرنا؟ فاللغة وسيلة طَيِّعة لقضاء أمورنا وربطنا بالآخرين. ولكن اللغة في العمل الأدبي تختلف عن هذا، ومهما بلغت اللغة من وفرة المفردات التي تستطيع أن تنقل أدق المعاني، وأدق ظلال لهذه المعاني، فإنه تبقى هناك صعوبة تواجه الأديب في استخدامه اللغة في عمله الأدبي. والذين يمارسون الإنتاج منا يلاحظون في يسر أن اللغة لا تكون في كل الأحوال تلك الأداة الطيعة للتعبير عن المعنى أو الفكرة أو الشعور، فهذه الأشياء لا يتم نقلها خلال الألفاظ إلا بعد جهد كبير، ولا نذهب في المثل بعيدًا، فكلنا قد مارس الكتابة العادية، وصادف الصعوبات التي كانت تقتضيه أن يقدم لفظة على لفظة، أو يستبدل بلفظة أخرى، أو يضرب عن التعبير كله ليبدأ من جديد تركيبًا آخر للألفاظ يراه أقرب إلى تكوين الجملة التي تنقل المعنى أقرب ما يكون إلى الدقة، أو أقرب ما يكون إلى ما في نفسه، فإذا أدركنا ذلك كان تقريرنا للصعوبات التي يواجهها الأديب في استخدام اللغة أمرًا بدهيًّا. ولكن حينما نعرف أن الأديب لا يكتفي بمجرد أن يفهمنا شيئًا أو ينقل إلى نفوسنا معنى، ولكنه -إلى جانب ذلك-

<<  <   >  >>