موفقًا؛ لأنه صور فيه الفساد بطريقة غير مباشرة، كان يجعل الموقف جزءًا حيًّا من بنية الحادثة، ويجعله في الوقت نفسه ضرورة منطقية ونفسية معًا، ففي الوقت الذي تستمر فيه أحداث القصة في تطورها الطبيعي يقع القارئ على صور صادقة لتلك الجوانب الفاسدة في حياة المجتمع. وكل هذا يجعلنا ننتهي إلى تصور المهمة التي كان الكاتب يهدف إليها من كتابة هذه القصة، فالهدف واضح، وهو لا يصل إلى أن يكون فكرة أو مجرد وجهة نظر، بل هو أقرب إلى دراسة موضوعية لحياة المجتمع المصري قبل قيام الثورة في ٢٣ يوليو.
وقد اعتدنا في الأعمال الفنية التي هي من هذا النوع ألا تقتصر على الماضي بل ربما كانت مهمتها الأصلية هي الامتداد إلى المستقبل، هي شق الطريق وتمهيده للحياة المستقبلية. وقصتنا لم تبرح الماضي، ولم تجاوزه إلى الحاضر، فهي لا تصور لنا شيئًا من واقعنا بعد قيام الثورة، فضلا عن أن تحدثنا عن المستقبل المأمول لحياة المجتمع المصري بعد قيام الثورة. ثم إن ارتباط القصة بالحادثة التاريخية هنا جعلها تجمع بين نوعين من الكتابة القصصية، فهي في جزء كبير منها لا ترتبط أي ارتباط بالتاريخ، ثم هي في جزء آخر على صلة وثيقة بأحداث تاريخية مشهورة معروفة. وهذا معناه أنها ليست تاريخية صرفًا، وليست كذلك قصة ابتداعية بحتًا، بل هي مزيج من اللونين. وهذا الخلط يفقد القصة شيئًا من قيمتها الفنية؛ لأن القارئ يريد أن يعيش في جو واحد، فإما أن يعيش في جو تاريخي على طول الخط، وإما أن يعيش في الجو الذي يخلقه له القصاص في قصته؛ ولذلك يحس كثير ممن يقرءون هذه القصة -أنا الشعب- أن نهايتها لم تكن موفقة؛ لأنها نهاية قصة من نوع آخر؛ نهاية قصة يصور فيها الكاتب حياة الشعب ودبيب الوعي الرشيد في أبنائه، وتطور هذا الوعي إلى حد أن تصل الحركة الشعبية إلى مواجهة الصورة القائمة للحياة، فتثور عليها وينتهي الموقف بانتصارها.
هذه قصة أخرى صور منها أبو حديد جزأين، صور منها جوانب الحياة الفاسدة، وصور منها -أو لنقل: سرد منها- قيام الثورة. أما الحلقات التي بين هذه الحياة الفاسدة وبين قيام الثورة فمفقودة. وهي في الحقيقة أهم جزء في القصة؛ لأنها هي القصة ذاتها. فالقصة قصة تطور لوعي اجتماعي، وكان ينبغي أن تعيش القصة مع هذا الوعي الذي يبدأ نتيجة لفساد الحياة، ثم يتطور وينمو وينتشر في الجماهير المختلفة حتى ينتهي بها إلى الثورة. هذا ما كان ينبغي أن يتمثل في قصة تعالج حياة شعب يثور على أوضاع قديمة وتنبعث فيه نهضة جديدة. ولكن قصتنا التي أراد لها المؤلف أن تتحدث باسم الشعب لم تكن في الواقع قصة هذا الشعب؛ ولذلك تقف أهمية هذه القصة كما قلنا