عند مجرد تصوير جزء من حياة المجتمع المصري في وقت من الأوقات، ولكنه في الماضي. والعمل الفني حين يستهدف غاية اجتماعية لا يقف لتصوير الماضي وحده، ولكنه يأخذ على عاتقه شق الطريق أمام الشعوب إلى المستقبل. وقصة "أنا الشعب" لم تقم بشيء من هذه المهمة إلا تصوير الحياة في الماضي, وهي بذلك تمثل النوع الذي سميناه "القصة العصرية" أي: التي تصور حياة مجتمع في فترة خاصة تعد مرحلة تطور في حياته, ولكن هذه القصة لم تصور نشأة الوعي وتطوره في جماعات الشعب حتى تنتهي إلى ثورتها. وكان من الممكن أن يقرن الكاتب قصة الحب التي حكاها بين سيد ومنى بقصة هذا الشعب، على أن تسير القصتان جنبًا إلى جنب في خطين نفسيين متوازيين ومتكاملين في الوقت نفسه. ولكي يبدو أن الكاتب لم ينجح في أن يكتب قصة كفاح الشعب كما لم ينجح في أن يكتب قصة حب تسير متوازية ومتكاملة معها, كان سيد زهير بطل القصتين, وكان طبيعيا في هذا الحال أن يكون الدور الذي تقوم به شخصية هذا البطل، سواء في قصة الكفاح أو في قصة الحب، دورًا يحمل طابعًا واحدًا، بمعنى أنه ليس طبيعيا أن يكون له دور إيجابي ينزع إلى التجديد في أساليب الحياة، وهدم التقاليد، وبناء مجتمع سليم من الآفات, وأن تكون شخصيته في الوقت نفسه تحمل طابع السلبية, وتعيش في نطاق القيود والتقاليد, ويدل دورها دلالة واضحة على أن هذه الشخصية تفتقد الثورة في كامنها, فهي إذن شخصية ثائرة وشخصية غير ثائرة. وكان نتيجة لذلك أن محاولة الكاتب في هذه القصة لربط القصتين، قصة الحب وقصة الكفاح، قد ضاعت سدى؛ لأن قصة الكفاح كان بطلها يمثل اتجاهًا خاصًّا، ونزعة ثورية متميزة، وكان بطل قصة الحب -وهو نفس البطل- يمثل اتجاهًا معاكسًا. وهذا هو السبب في أن القصتين لم تندمجا الاندماج الحيوي الذي كان من الممكن أن يتم لو كان الكاتب رسم شخصية البطل منذ اللحظة الأولى رسمًا كافيًا، واتخذ له خطًّا واحدًا يتمثل في كل موقف، سواء ارتبط هذا الموقف بقصة الكفاح أو بقصة الحب.
ومن العجيب أن قصة الحب التي يمكن أن نتحدث عنها هنا لا تحمل إلينا في بابها جديدًا، فقد كان كل المعول في أهمية هذه القصة إذن على تصوير كفاح الشعب، وهو الشيء الذي لا نجد شاهدًا واحدًا عليه من القصة, وكأن حياة الفرد العاطفية شيء لا دخل له في حياته الاجتماعية العامة. وهذا الانقسام إذن جاء نتيجة لتصور الإنسان في حياته العاطفية مستقلا -نفسيا- استقلالا تاما عن جوانب الحياة الأخرى التي يشارك فيها. ولا يبدو هذا التصور مقبولا؛ فالإنسان يفكر بطريقة واحدة، ويتصرف نتيجة لوجهة نظره المتكاملة في الحياة وفي الناس.