للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المفروض أن الكاتب لا يتحدث في القصة بلسانه الشخصي بل يتحدث على لسان الشخصيات المختلفة التي نصادفها في القصة. وليست المسألة مجرد إجراء للحديث على ألسنتهم، فيكون من الضروري عندئذ أن يتحدث كل شخص بلغته الخاصة وبلهجته الخاصة، ولكن لا بد أن يصحب ذلك اعتبار للمستويات الفكرية، فكل شخصية لها مستواها الفكري، ولها ميدانها الذي يحدد نشاطها الفكري والوجداني؛ ولذلك يلزم أن يراعي الكاتب مستويات شخصياته الفكرية إلى جانب مراعاته للغة هذه الشخصيات ولهجاتها، فلا يجعل شخصية بسيطة تنطق بالحكمة وتتحدث حديث الخبير المجرب، أو تتحدث حديث المثقف أو العالم, وكذلك تأخذ كل شخصية طابعها العام المستقل الذي يميزها عن غيرها كل التمييز. واللغة هي الفاصل الكبير في هذه المشكلة، فعن طريقها تعرف الشخصية، وعن طريقها أيضًا يعرف مستواها الفكري. وكل من يقرأ قصة "أنا الشعب" يلاحظ أن شخصية الكاتب كانت تطغى في كثير من الأحوال على شخصيات القصة، فإذا به ينساها وينسى مميزاتها الخاصة ومستوياتها الفكرية والوجدانية، ويمضي يتحدث هو من خلالها حديثًا إن دل فإنما يدل على مستواه الفكري كما يدل على شخصيته الخاصة، ففي أكثر من مكان يحس القارئ بشخصية الكاتب بارزة أمامه، وكان هذا سببًا في أن ظهرت الشخصيات باهتة غير مميزة؛ لأنها كانت في أغلب الأحوال تستخدم لغة واحدة، وتفكر في مستوى واحد. ولا شك أن نتيجة ذلك كانت أوضح ما تكون في لغة الحوار، فلم يكن حوارًا حيًّا بالمعنى الدقيق؛ لأن الأشخاص لم يكونوا يتمتعون بحيوياتهم الخاصة، وإنما كانوا ينطقون -حين ينطقون- بلسان المؤلف ذاته، فتلاشت من وراء ذلك شخصياتهم أو كادت، وكأنما أصبحت هذه الشخصيات قوالب من الحجارة يحركها الكاتب كيف شاء.

لم ينجح أسلوب الحوار إذن في هذه القصة؛ لأنه فضلا عن تقيده بالعربية الفصحى لم يكن يدل دلالة كافية على المستويات الفكرية للشخصيات المختلفة.

هذا ما يختص بلغة الحوار، أما السرد فقد كان عاديا لا يكاد يقف عنده القارئ, ولكنه كان من الممكن أن يكون أكثر حرارة وتأثيرًا لو أنه ارتبط بالبناء القصصي ارتباطًا حيًّا. وربما كان ضعف تصميم هذا البناء له أثره في اللغة السردية, وكذلك الأمر فيما يختص باللغة التصويرية. وقد تكون هذه الناحية في القصة أنجح من الأسلوبين الحواري والسردي؛ لأنها كانت تتمتع -إلى حد كبير- بصور فيها كثير من الحيوية، وفيها كثير من الإثارة والتهيئة النفسية، ورسم الأجواء المختلفة لبعض المواقف.

<<  <   >  >>