للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل الشخصية الوحيدة التي نجحت في أن تأسرنا إليها نوعًا ما -في هذه القصة- وتحظى بعطفنا عليها وتعاطفنا معها هي شخصية حمادة الأصفر، فقد كنا نلمسه عن قرب في كل موقف من مواقفه، وكان هذا سيضفي على الموقف شيئًا من الحيوية. إن الكاتب ينجح في أن يشركنا مع الشخصية في الموقف، حتى إذا ما ذهب حمادة من الميدان لم نجد بيننا وبين شخصية أخرى من الشخصيات أي نوع من التعاطف؛ ولذلك كنا -في أغلب الحالات- بعيدين بعدًا كبيرًا عن شخصيات القصة، وعما يدور في طواياها من أحاسيس ومشاعر. وهذا من جانبه قد باعد بيننا -أو ساعد على المباعدة بيننا- وبين القصة.

وينبغي ألا تفوتنا الإشارة إلى المواقف الخطابية التي تخلَّلت هذه القصة، ففي أكثر من موقف -وبخاصة في بداية الفصول- كان الكاتب يقف وقفات طويلة يتحدث فيها حديثًا مستقلًّا عن الحياة وعن الأدب وعن غيرهما من الموضوعات التي تشغله شخصيا. بل أكثر من هذا، كثيرًا ما ينتهز الكاتب الفرصة في موقف من المواقف لكي يبدأ حملة من الحملات العنيفة بلهجة خطابية قوية على موطن من مواطن الفساد -مثلا- في العهد الماضي.

وكذلك يقف موقفه الخطابي حين يحاول الدعوة إلى شيء, وكل هذه المواقف تبدو متميزة عن مواقف القصة. وإذا كان من حق الكاتب أن يبث في قصته أفكاره وخبراته, فإن ذلك لا يأتي على هذا النحو الخطابي، وإنما من الممكن أن يأتي على صورة أخرى فيتحقق في سياق الموقف وسياق القصة بصفة عامة، وإن كان تحققه -في هذه الحالة- تحققًا غير مباشر.

ونجاح العمل الفني يرتبط ارتباطًا كبيرًا بأن يفضي إلى القارئ ما يريد الكاتب أن يقوله, أو يدعو إليه بطريق غير مباشر، أما الحديث المباشر، والدعوة الصريحة، والفكرة المستقلة في العمل الفني، فإنها لا تنجح ولا تعمل عملها في نفس القارئ الذي لا يرضى في كثير من الحالات أن يقف منه الكاتب موقف الناصح أو موقف الدليل، هذا من حيث بنية القصة والعوامل التي تشترك في حيوية هذه البنية وأهميتها.

أما لغة القصة -وهي المظهر الحسي المباشر لهذه القصة- فلم تكن أغنى من البناء القصصي ذاته، قد يقال: إن لغة القصة كانت من البساطة والوضوح بحيث يستطيع كل قارئ أن يفهمها, وأن يتذوقها عن قرب. وهذا صحيح، ولكن مسألة الكتابة القصصية ليست مسألة لغة سهلة أو صعبة، بل العبرة بحيوية هذه القصة.

وكيف تتحقق الحيوية إذن في لغة القصة؟

<<  <   >  >>