للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذاتها كانت قد انتهت عند اقتران زهير بمنى، ولكن هناك قصة أخرى كما عرفنا هي قصة الكفاح التي كان من المفروض أن تسير جنبًا إلى جنب مع قصة الحب. وكأن هذه النهاية التي أحس المؤلف نفسه أنها نهاية رديئة هي النهاية التي كان من المفروض أن يضعها الكاتب لقصة الكفاح التي لم يكتبها؛ ولذلك كان وضع هذه النهاية غريبًا لأنه يرتبط بقصة لم نعرفها، وكل الذي عرفناه منها لا يعدو أن يكون بمثابة المقدمات التي يبني عليها الكاتب حوادث قصته. لقد كان تصميم هذه القصة إذن إلى جانب ما فيه من انقطاعات وانتقالات، يتضمن فجوة هائلة هي بمثابة جسم القصة. وهذا واضح بصفة خاصة حين نتتبع خيوط قصة الكفاح، فنجد كل خيوط السدى ممتدة أمامنا ولكن عبثًا نجد خيوط اللحمة, وكل ما في الأمر أنه امتد مع هذه الخيوط إلى غايتها، ثم وضع لها نهايتها وخيل إليه أنه في أثناء الطريق صنع نسيجًا طبيعيًّا، والحق أنه نسيج مفرغ.

معنى ذلك كله أن تصميم هذه القصة ليس تصميمًا حيويًّا متماسكًا، كما أنه لا يقدم إلينا قصة مشوقة تربطنا إليها وتثيرنا، وتضطرنا إلى متابعة حوادثها حتى آخر لحظة، أو بعبارة أخرى ليس في هذه القصة الارتفاعات والانخفاضات النفسية التي يمر بها قارئ القصة الناجحة التصميم، التي تثير فيه التشوق والمتابعة حتى نهايتها، ولكنها أقرب إلى أن تكون موجة واحدة، ولكنها لا ترتفع عن السطح ارتفاعًا كبيرًا؛ ولذلك كانت الحادثة كما قلنا من قبل حادثة بسيطة. وهذا معنى قولنا: إنها حادثة بسيطة، فهي بسيطة من حيث التركيب، وبسيطة من حيث التطور. وإذن فقد فقدت عنصرًا مهمًّا هو ذلك العنصر الذي يثير التشوق في القارئ وهو عنصر التعقيد، فلم يتمثل هذا العنصر في أي موقف من المواقف على نحو يثير القارئ، بل كانت كل المواقف تقريبًا تبدو نهايتها وحلولها قبل أن يفرغ القارئ منها. وحين يتكشف للقارئ ما سينتهي إليه الموقف القصصي فإنه لا يجد دافعًا كبيرًا إلى متابعة السرد حتى يصل إلى ما سبق أن تكشف له. وميزة التعقيد هي أن تتركه دائمًا يحدس في النهاية التي يمكن أن ينتهي إليها الموقف, وبذلك يصبح القارئ جزءًا من صميم الموقف، يتحرك معه، ويتجاوب مع أشخاصه، ويرسم له النهاية التي يتصورها، أو يرسم له في نفسه أكثر من نهاية ثم ينتظر تحقق واحدة منها، وكم تكون دهشته عندما ينتهي الموقف على نحو لم يتوقعه على الإطلاق. هذا من شأنه أن يجدد نشاط القارئ، وأن يجعله دائمًا على اتصال بمواقف القصة وحوادثها، كما ينشئ بينه وبين شخصيات القصة المختلفين أنواعًا من العلاقات والتفاعلات.

<<  <   >  >>