للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من شأنه أن يجعل الحوار بهذه الطريقة بعيدًا عما يقع في الحياة، ومن هنا يبتعد عن هذه الحياة ويظل يفتقد الحيوية اللازمة، وكذلك كان المؤلف يجري الحديث على ألسنة الشخصيات دون النظر إلى ما بينها من فروق جوهرية. فنحن نقرأ حديثًا لشخصية من شخصيات الرجال لا نكاد نميز بينه وبين حديث تال له لشخصية من شخصيات النساء، وهكذا تضيع ملامح الشخصيات ولا يبقى أمامنا في الحقيقة إلا القصيدة في مجموعها بوزنها الواحد وقافيتها الواحدة. ويتضح جمود الموقف دائمًا عندما تستقل الشخصية الواحدة بحديث طويل، فنحن لا نكاد نطيق على المسرح مثل هذه المواقف، لا نريد شخصية متحركة متحدثة وبجانبها شخصيات أخرى جامدة صامتة، وإنما ننتظر دائمًا على المسرح حيوية شاملة. ويبدو ذلك واضحًا في الأجزاء الأخيرة من المسرحية بصفة خاصة، فنجد الشخصية الواحدة تستقل بحديث يطول فيشغل أكثر من عشرة أبيات، ثم يليه حديث لشخصية أخرى يمتد امتدادًا يقرب من هذا، ويليه حديث شخصية ثالثة، وهكذا.

هذه الصورة أبعد ما تكون عن الحوار المسرحي الحي, وليس معنى هذا أن المؤلف لم يكن يوفر لمشاهده الحيوية على الإطلاق، ففي المشهد السادس من القسم الثاني من الفصل الأول نجد أن المؤلف ينجح في بث الحركة والحيوية في الموقف. وهو المشهد الذي يخبر فيه الوزير "أبو القاسم" "السلطان" أنه أطلق سراح عائشة ومن معها قبل أن يأذن له السلطان؛ تنفيذًا لرغبة الأمير يحيى، ففي هذا الموقف نجد المؤلف يحتفظ لكل شخصية بموقفها الخاص وبانفعالها الخاص، ويداول الحديث بين هذه الشخصيات في سرعة تتناسب مع الانفعالات المفاجئة السريعة التي لازمت هذا الموقف؛ ولذلك يمكن أن نقول: إن هذا الموقف قد أدى أداء مسرحيا ناجحا، وإن فيه من الحيوية ما جعل الحوار طبيعيًّا قريبًا من الواقع.

يبقى أن ننظر في شخصيات المسرحية، وفي ضوء ما قدمنا من مقدمات تتصل بتكوين المسرحية "بنيتها" وبالحركة المسرحية وبلغة الحوار والصراع نستطيع أن ننتهي إلى أن شخصيات هذه المسرحية لم تنجح في أن تكون شخصيات إنسانية بارزة، بمعنى أنها لا تصور لنا ظواهر إنسانية باقية، وإنما هي أقرب إلى الشخصيات العادية في الحياة وإن كانت تقوم بالأدوار التي تتم في الحياة داخل القصور؛ فلدينا شخصيات السلطان والأمراء والقواد والجواري والولاة وكل من له صلة بطبقة الحكام. وخطورة الشخصية بالنسبة للعمل المسرحي لا تأتي من خطورة مركزها الاجتماعي أو مركزها السياسي، ولكن من أهميتها الإنسانية؛ ولذلك نجد كثيرًا من الشخصيات الشعبية تظفر باهتمام

<<  <   >  >>