للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المؤلفين المسرحيين فإذا بهم يخلدونها، لا على أنها قامت بدور سياسي خطير أو لأنها حكمت الناس فترة من الزمان، بل لأنها -قبل كل شيء- ظاهرة إنسانية لها قيمتها؛ ولذلك لم تكن شخصيات "غروب الأندلس" هي تلك الشخصيات الإنسانية ذات القيمة, وإن صورت لنا النوازع الإنسانية. فنحن نصادف ألوانًا من العواطف والميول كالحب والبغض والدهاء والخداع وما شاكل ذلك من النوازع الإنسانية، ولكن هذه الأشياء لم تأخذ وضعًا مسرحيًّا، ولم يركز الكاتب على واحد منها، ولو أنه ركز عمله المسرحي على تصوير نوع من الصراع يدور في داخل شخصية عائشة حول الإبقاء على الحكم العربي والنزعة القومية، والميل نحو ابنها "عبد الله" والعطف على موقفه. أو لنقل: بين النزعة القومية فيها وعاطفة الأمومة، لكان ذلك سبيلا إلى إخراج مسرحية لها قيمتها. ولكن المؤلف لا يستغل هذا الموقف الاستغلال المسرحي على نطاق واسع، أو لنقل: لم تكن المسرحية في أساسها تهدف إلى تصوير هذا الصراع، ولو أنها فعلت لكان لها شأن آخر.

ونعود إلى الشخصيات مرة أخرى فنجد أن كل شخصية من أجل هذا لم تكن تمثل فكرة إنسانية أو اتجاهًا نفسيًّا، ولكنها -جميعًا- كانت تمضي إلى تحقيق غرض واحد وهو الحصول على الحكم. ومن ثم لم تكن للشخصيات طبيعتها المستقلة المنفردة بل كانت تتشابه إلى حد بعيد, وهي -لذلك- كانت تبدو "باهتة"؛ لأن ملامحها الخاصة لم تكن من الوضوح بقدر كافٍ, وربما كانت شخصية عائشة من أبرز الشخصيات. والحق أنها قامت في المسرحية بأكبر دور، وتحركت بشكل يلفت النظر، فنحن نصادفها في مصر وفي وادي آش أكثر مما نصادف أي شخصية أخرى، وربما كان وجودها عنصرًا لازمًا لهذه المسرحية، ولكن لا ننسى أن هناك شخصيات أخرى كان من الممكن استغلالها مسرحيا ولكنها اختفت سريعًا، كشخصية الأمير يحيى، وكذلك كانت شخصية الوزير أبي القاسم شخصية درامية ناجحة، فقد ركز فيه المؤلف مفهومات الوزير ومبادئه، فاستطاع أن يعطينا صورة صادقة لحياة الوزراء الضعاف القلقة المضطربة التي لا تخلو من ذلة أمام الحكام، والتي تصطنع البطش والجبروت والقوة مع الشعب الضعيف، بعبارة عامة كانت شخصية الوزير أبي القاسم مرسومة رسمًا دقيقًا وأدت دورها على النحو المفروض. وفيما عدا ذلك نصادف شخصيات أبطال وقواد ليس لهم إلا أن يتحمسوا لعائشة وأن يبذلوا لها النصح أحيانًا، أما شخصية السلطان أبي الحسن فقد كانت ناجحة إلى حد ما، فيها عناصر الشيخوخة وفيها آثارها وتصرفاتها، ثم فيها -إلى جانب ذلك- بقية من حماسة قديمة ونجدة عربية أصيلة. أما شخصيات الإسبان فقد كانت أهميتها في أن تكمل القصة، ولم تكن شخصيات لها أهمية في ذاتها. هي

<<  <   >  >>