للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى إنه قسمها إلى مجموعتين متمايزتين ومتكاملتين في الوقت نفسه، إحداهما تتعلق بشخصه، والأخرى بعالم الكتابة عنده، وقد أنجز كتابة القسم الأول، الذي هو بين أيدينا الآن، والذي يحمل عنوان "أنا"، وإن نشرت فصول هذا القسم في البداية مفرقة, ودون التزام بنسقها الطبيعي.

ينقسم كتاب "أنا" إلى تسعة فصول، يشتمل كل فصل منها على عدد من العناصر يقل أو يكثر, وقد رُوعي في كل فصل أن تكون عناصره -في الأغلب الأعم- متآلفة ومتكاملة. فالعناصر التي يشتمل عليها الفصل الأول -على سبيل المثال- هي على التوالي: أنا، أبي، أمي، بلدتي، طفولتي, ذكريات العيد، وهذه العناصر في مجموعها وفي نسقها هذا توحي بأن الكاتب قد أفرد هذا الفصل لمرحلة النشأة الأولى في حياته، أي: مرحلة الطفولة، حيث يتحدد عالم الطفل بعلاقاته المحدودة بأقرب الناس والأشياء إليه. ومع ذلك فإن العقاد حين تحدث في العنصر الأول عن نفسه لم يتحدث عن أنا الطفل في شخصه، بل راح يتحدث عن أنا العقاد الناضج المشهور بين الناس. ولما كانت صورته المتداولة بين الناس ليست -في رأيه- هي صورته الحقيقية بل لعلها -في رأيه كذلك- نقيض صورته الحقيقية، فقد اتخذ من الحديث عن مكونات صورته الحقيقية التي يعرفها لنفسه مدخلا لتصحيح تلك الصورة المغلوطة الشائعة، فإذا كان الشائع عنه بين الناس أنه رجل مفرط الكبرياء، مفرط القسوة والجفاء، وأنه رجل منقطع للكتب، لا يباشر الحياة كما يباشرها الناس، وأنه يملكه سلطان المنطق والتفكير ولا سلطان للقلب والعاطفة عليه، وأنه شديد الصرامة فلا تفتر شفتاه بضحكة واحدة إلا بعد الاستغفار, إذا كان هذا هو الشائع عنه فإنه ينكره جملة وتفصيلًا، ويقول: "أقسم بكل ما يقسم به الرجل الشريف أن عباسا العقاد هذا رجل لا أعرفه، ولا رأيته، ولا عشت معه لحظة واحدة، ولا التقيت به في طريق، ونقيض ذلك هو الأقرب إلى الصواب"١. ثم يمضي يحدد مشخصاته التي هي نقيض ذلك.

لقد اختار العقاد أن يكون هذا الحديث عن صورته المغلوطة لدى الناس وصورته الحقيقية مدخلًا إلى الحديث عن سيرته الذاتية، وكأنه يقدم بين يدي القارئ ما يبرر له كتابة هذه السيرة.

أما بقية عناصر هذا الفصل فيتصل الحديث فيها على نحو يحدد ملامح البيئة المادية التي تفاعل معها العقاد في طفولته، ونعني بها مدينة أسوان، كما يحدد أسلوب التربية الذي خضع له -أو تمرد عليه أحيانًا- في البيت وفي المدرسة. أضف إلى هذا


١ العقاد: أنا، ص٢١.

<<  <   >  >>