مهما يكن من شيء فإن رغبة العقاد في الحديث عن ميله إلى العزلة وعدم إقباله على السياحة في المكان اقتضت منه ذلك التمهيد الطويل عن كبار الرحالة في العالم، وعن ملكة الرحلة، وعن الشعوب التي صارت الرحلة ملكة من ملكاتها القومية ... إلخ.
ولعله من الواضح الآن أن هذا المنهج في كتابة العنصر الواحد من عناصر السيرة يأتلف كل الائتلاف مع المنهج العام للسيرة كلها، في أن الكاتب لا يتجه إلى سرد قصة حياته إجمالا وتفصيلا بقدر ما يحاول التأمل في هذه الحياة، وتفسيرها وتبريرها.
لقد كره العقاد السياحة في المكان، أي: الحركة فيه، وآثر عليها السياحة في النفس. ولعل سيرته الذاتية -"أنا"- كما كتبها تؤكد أنه حتى على مستوى الكتابة، قد آثر أن يستبطن ذاته على أن يحكي قصة حياته، فكان بذلك صادقًا مع نفسه فيما اعتقد وفيما كتب.