وثالث يفكر لنفسه متسائلًا: كيف لم يحدث له أن يصطاد السمك من النهر الجاري هناك؟ ورابع، وخامس ... إلخ".
ثم يتساءل: "أفنقول في هذه الحالة: إن اتجاهات أولئك متعارضة؟ أم الأصوب أن نقول عنها: إن بعضها يكمل بعضًا؟ ".
وهكذا ينتهي الكاتب في هذه المرحلة من المقال إلى تقرير أن ما قد نظنه تعارضًا في وجهات النظر إنما هو تعارض وهمي، إذ هي في حقيقة أمرها زوايا للنظر مختلفة.
وإذا كان مدار الحديث حتى الآن هو الآراء والأفكار الفلسفية، فإن الأمر لا يختلف إذا نحن انتقلنا إلى إطار معرفي آخر، هو الآراء والأفكار الأدبية أو الفنية بعامة.
وهنا يشرع الكاتب في بيان كيف أن زوايا النظر إلى الفن قد تختلف فتنشأ عن ذلك مذاهب مختلفة في النقد الفني. وهذه الزوايا لا تخرج -في رأيه- عن أربع: زاوية نفسية، وزاوية اجتماعية، وزاوية شخصية انطباعية، وزاوية شكلية، ثم يتساءل: "هل هذه الوقفات الأربع متعارضة؟ ". وهو يقرر -في الإجابة عن هذا السؤال- أن الأقرب إلى الصواب أن نقول: إن كل اتجاه يجيء إضافة إلى الاتجاهات الأخرى, فقراءة العمل الأدبي وفهمه من زاويتين أفضل من قراءته وفهمه من زاوية واحدة. ويزداد هذا الفهم إذا كان من ثلاث زوايا, ويكتمل الفهم إذا قرئ العمل الأدبي من خلال الزوايا الأربع مجتمعة.
حتى إذا فرغ الكاتب من تقرير هذه الحقيقة على مستوى الفكر الفلسفي, ومستوى الفكر الأدبي بدا كما لو أنه ساق كل هذا التحليل ليتخذ منه مدخلًا للحديث عن خطاب بعث به إليه واحد من الحاصلين على درجة الليسانس في الفلسفة -ذكر الكاتب اسمه- على أثر قراءته عن اتجاه الكاتب في النقد، على نحو ما شرحه في كتابه "قصة عقل". ونفهم من هذا الخطاب أن اتجاه الكاتب في النقد الأدبي هو ذلك الاتجاه الذي يعنى بدراسة النص ذاته، بغض النظر عن دوافع صاحبه النفسية وظروفه الاجتماعية، في حين أن فهم الحياة النفسية والاجتماعية للفنان -في رأي صاحب الخطاب- يساعد الناقد كثيرًا في تحليله للأثر الأدبي.
وهنا يعود الكاتب -في صدد الرد على صاحب الرسالة- ليؤكد فكرته السابقة في أن اختيار الناقد لزاوية من زوايا النظر الأربع لا يعني إلغاء الزوايا الأخرى.
ثم يورد الكاتب جزءًا آخر من الرسالة، يأخذ فيها صاحبها عليه ما تقوله -أي الكاتب- من أن "من يقول حقيقة عامة، يعد قوله بعيدًا عن الفن الرفيع". وصاحب الرسالة إذ ينكر عليه هذا القول، يسوق بيت أبي تمام القائل: