للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونستطيع بسهولة أن نفهم كيف تقبل العقل الإغريقي هذه الفكرة، وكيف بنى عليها أن كل فكرة لا يمكن التعبير عنها تعبيرًا كافيًا إلا بكلمة واحدة، فحيث إن كل كلمة لها ارتباطات تختلف -حتى عن "مرادفها"- اختلافًا بسيطًا، فإنه يتبع ذلك أن استعمال أي كلمة سوى الكلمة التي ترتبط بفكرك ارتباطًا دقيقًا يعد خطأً ونقصًا, فنقص الكلمة معناه تغير في الفكرة. ويترتب على ذلك أن يكون الرباط بين القارئ والفكر فاسدًا, وانتقال الفكرة هكذا إلى القارئ لا ينتج عنه سوى أن يستقبل القارئ ما لم يهدف الكاتب إلى أن ينقله إليه, ويتبع ذلك أن يكون من الخطأ الكلام عن أسلوب "جيد" على الرغم من نقصه.

هذا كلام منطقي -كما يقول وستلاند١- لا يمكن أن نختلف فيه من حيث هو فكر مجرد, ويضيف أنه يجب أن نعترف، بوصفنا قراء عمليين، بأن هناك درجات للنجاح تتفاوت بين الكمال والإخفاق، وأن عمل الكاتب يمكن أن يكون قريبًا من التعبير الكامل عن معناه، وأن يكون من القرب بحيث نقدر معناه الذي نتج عن اختيار للألفاظ أو ترتيب لها ليس كاملا كل الكمال, والتجربة ترينا كيف أن هذا كذلك. وينبغي أن نخلص إلى نتيجتنا الخاصة، وهي أن الأسلوب الجيد غير ممكن, وكذلك يمكن الحديث عن أسلوب رديء وأسلوب خاطئ، حيث يؤكد الأفلاطوني المتمسك أنه في هذه الحالة لا يوجد أسلوب٢.

وخلاصة هذه القضية: أن الأسلوب ينظر إليه من وجهة نظر على أنه خاصة فكرية، ومن وجهة نظر أخرى على أنه خاصة تعبيرية.

وحين ينظر إلى الأسلوب على أنه خاصة فكرية يكون التعبير اللغوي ليس شيئًا سوى تحقيق للفكرة في الصورة الحسية المناسبة. فالأفكار وحدها أساس الأسلوب بحسب رأي بوفون وأفلاطون من قبل, وحين ينظر إلى الأسلوب على أنه خاصة تعبيرية لا يكون الفكر بوصفه مادة العمل الفني أساسًا، ولا يكون لمادة العمل الفني أن تحدد الصورة وخصائصها؛ لأنه يحدث أن تكون المادة واحدة، ولكن كاتبًا يخرجها في صورة وآخر في صورة أخرى بينهما تفاوت في الواقع. وهما يختلفان كذلك عن محرر الحوادث الذي يقدم تقريره المشتمل على هذه المادة أيضًا، ولكنه يكون تقريرًا خاليًا من كل وقع, فإن ما يجعل الكتاب تحفة فنية ليس هو حوادث المغامرة الأساسية، ولكنه التعبير عنها، المرصوف رصفًا ممتازًا.


١ Peter Westland. literary Apprecistion., the English universities press. London ١٩٥٠ pp, ٧١-٥.
٢ نفسه ص٧٦.

<<  <   >  >>