والفصل في هذا الإشكال من خلال خبرتنا العملية يقضي بأن يكون الأسلوب صفة عقلية متحققة في اللغة، ويتبع هذا أن تكون لغة الأديب شخصية.
على أننا نعود فنجد الأديب يستخدم اللغة السائدة في مجتمعه، وهو لكي يوصل فكرته أو شعوره إلى الآخرين مضطر لأن يستخدم هذه "العملة" التي يتعامل بها الناس. فكيف يتسنى لنا أن نقول: إن لغة الأديب لغة شخصية صرف، وهو في الحقيقة يستخدم لغة الآخرين كذلك، أو -على الأقل- ما يفهمه الآخرون من هذه اللغة؟
أما أن الأديب يستخدم اللغة السائدة فهذا لا شك فيه، بدليل أننا لا نجد أديبًا في القرن العشرين يستخدم لغة القرون الوسطى. وأما أن لغة الأديب شخصية فهذا لا شك فيه كذلك, بدليل أننا نجد لكل أديب أسلوبه الخاص الذي نميزه به عن غيره من الأدباء، ويبقى أن يلتقي هذان الطرفان، فيتمثل في الأسلوب العظيم الجانبان الشخصي واللاشخصي.
والأدب -بعدُ- إنتاج شخص لأشخاص في مجموعة.
وبإزاء كلمتي الشخصي واللاشخصي نجد "الخاص" و"العام" في الأدب. وإذن "فكل عمل أدبي هو خاص وعام معًا، أو لنقل على نحو أفضل من ذلك: إنه فردي وجماعي معًا. فكل عمل أدبي -ككل كائن- له خصائصه الفردية، ولكنه يشارك الأعمال الفنية الأخرى في الصفات العامة"١.
وفردية الأسلوب الأدبي أو العمل الأدبي بعامة تأتي من أنه صادر عن فرد, وعموميته تأتي من أنه موجه إلى الجماعة.
وهنا نجد أنفسنا أمام مشكلة ذات جانبين هي مشكلة العلاقة بين الأدب والمجتمع. أما الجانب الأول فيبحث فيه عن موقف الأديب من المجتمع، وعن المضمون الاجتماعي لأعماله الأدبية ذاتها، وأخيرًا عن أثر هذا الأدب في المجتمع. وأما الجانب الثاني فتدرس فيه ظاهرة العبقرية المبدعة الخاصة بالأديب، واستقلال هذه العبقرية عن مجتمع بذاته.