للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن تحتل مكان أمها في حب أبيها١، أو الرغبة اللاشعورية عند الابن في أن يحب أمه ويحتل مكان أبيه في ذلك٢. وقد منعت هذه الرغبات منذ بداية التاريخ المدون بواسطة أقوى المحرمات الدينية والاجتماعية، وكانت نتيجة ذلك أنه صار ينظر إليها باعتبارها "غير طبيعية". وقد وجد فرويد أن مثل هذه الرغبات تتمثل بوضوح في الأحلام، في الوقت الذي لم يتضح له فيه هذا من سلوك مرضاه الواعي اليقظ عندما حلل هذا السلوك بألفاظ الكبت. ومن هنا فهم أن الدوافع الطبيعية عندما توصف بأنها خطأ، فإنها من الممكن أن تكبت، ولكنها لا تنمحي بل تبقى في اللاشعور حتى وإن لم يعد العقل الواعي يعرفها٣. فوظيفة الكبت إذن "هي منع النزعات النفسية من السير في طريقها الطبيعي. وهذا المنع لا يقضي على النزعات النفسية، فهي تظل قوة متحفزة للظهور، ولكنها تبقى مع كل هذا مختفية فيما يسمى اللاشعور"٤. وهي تحاول في كل وقت أن تطفو على السطح، وأن تظهر بصورة إيجابية، ولكن الذات العليا "والأنا في بعض الأحيان" ما دامت منتبهة واعية فإنه لا مجال لطفوها وتحققها. فهي إذن لا تظهر في اليقظة وإنما تلتمس الفرصة التي تغفل فيها الأنا والذات العليا، وهي فترة النوم، فتتحقق بصورة ما في الأحلام، سواء أكانت أحلام النوم أم أحلام اليقظة. "وفي اللاشعور تتخذ ثيابًا رمزية ينظر إليها العقل الواعي على أنها كلام فارغ, وهو في الحقيقة لا يعرف أهميتها"٥.

فالرغبات المكبوتة إذن تجد مجالا للظهور في الأحلام، وهي تظهر على شكل رموز. "ولقد ألقى فحص المحلل النفسي للأحلام وأحلام اليقظة فيضًا من الضوء على العقل عند الفنان. فإن العمل الإبداعي عند فنان ما -كما هو الشأن في حلم اليقظة- هو إلى حد بعيد عملية لاشعورية"٦. على أن القول بأن العمل الإبداعي عملية لاشعورية ليس جديدًا علينا الآن، وإنما المهم هو ذلك الربط بين العمل الإبداعي والأحلام. وإذا كنا نحاول الآن أن نجد الحلقة التي تربط العمل الفني بالنوازع الجنسية فإن الأحلام هي تلك الحلقة المنشودة، فهناك نوازع جنسية مكبوتة لسبب أو لآخر, وهي مكبوتة في اللاشعور، فليست تستطيع الظهور إلا في حالات الغفلة التي تصيب الشعور، فتظهر عندئذ، ويفرغ اللاشعور شحنته في شكل رموز لا يقبلها العقل الواعي


١ وتعرف في التحليل النفسي بعقدة ألكترا.
٢ وتعرف في التحليل النفسي بعقدة أوديب.
٣ Basler., op. cit., p. ١٥.
٤ القوصي: أسس علم النفس ٢٦٧.
٥ Basler: كتابه ص١٥.
٦ Cyril Burt., How the mind works, "٢nd edition, London ١٩٤٥" p. ٢٧٣.

<<  <   >  >>