النفسي, ومحاولة الدكتور محمد كامل حسين لدراسة شخصية "المتنبي" وفهم شعره على أساس نفسي كذلك، ثم محاولة الدكتور محمد النويهي على نفس الأساس لدراسة شخصية "بشار". وكل من يطلع على كتاب "أبو نواس" ومقال "المتنبي" من كتاب "متنوعات" وكتاب "شخصية بشار" يستطيع أن يفهم شخصيات هؤلاء الشعراء فهمًا جديدًا تحت الأضواء التي سلطت عليهم، والتي كان مصدرها نظريات التحليل النفسي، فتحت هذه الأضواء حلل الباحثون شخصيات هؤلاء الشعراء، وهم بتحليلهم إياها استطاعوا أن يفسروا شعرهم، وأن يجعلوا القارئ أكثر فهمًا له.
هذا هو المنهج التفسيري العلمي في نقد الأدب.
ولكن مهما تكن قيمة النتائج التي ينتهي إليها المنهج العلمي, فإنها نتائج -بعد كل شيء- لا يستطيع دارس الأدب أن يكتفي بها على الدوام. وإذا كان من الممكن الترحيب بهذا المنهج بوصفه أداة للنقد غاية في الأهمية، فإنه لا يمكن قبوله بوصفه بديلا نهائيا من كل المناهج الأخرى١.
ولعل القارئ يلاحظ أن المنهج يقف عند مرحلة التفسير التي تمكننا من فهم الأشياء فهمًا أصدق، ولكنه لا يحدثنا عن قيمة هذه الأشياء أو قيمة هذا الذي فهمناه، والسؤال عن قيمة الشيء -بخاصة إذا نظرنا إلى عمل الناقد- سؤال جوهري ينتظر دائمًا الجواب، وهذا لا يبرز إلا في النقد الحكمي.
ب- النقد الحكمي:
وهو -كما قلنا- الطابع الغالب على النقد القديم. ولا غرابة في ذلك؛ لأن الناقد كان يشعر بأنه قاضٍ وحكم, ومهمة القاضي تنتهي دائمًا بإصدار الحكم. وأبسط صورة للحكم هي أن يعبر الناقد عن رضاه عن العمل الأدبي أو نفوره منه، فيقول مثلا: إنه جيد أو إنه رديء، وقد يقول: إنه حسن أو إنه قبيح. كل الناس -بطبيعة الحال- يعدون نقادًا على هذا الأساس، فليس هناك من لا يصدر كل يوم حكمًا من هذه الأحكام، ولكن على أشياء أخرى غير الأعمال الأدبية، تصادفنا في حياتنا اليومية العادية. ولكن الوقوف عند هذه المرحلة من الحكم لا يفيد النقد في شيء، والناقد الذي يكتفي بأن يصدر حكمًا على العمل الأدبي لا يفترق عن أي شخص آخر يحكم على طعام بأنه جيد أو رديء؛ ولذلك كان لا بد من "حيثيات" لهذا الحكم، تمامًا كما يصنع
١ Hudson: An introduction to the study of literature, pp. ٣٧٩-٣٨١.