للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأدبي والفني. ثم هناك الأدب الذي نجد الكاتب فيه -بدلا من أن يتعمق نفسه- يمضي خارج ذاته إلى عالم الحياة والنشاط الإنساني الخارجي. وهذا يتضمن التاريخ وفن السيرة وشعر "البالاد" والشعر الملحمي والرواية الخيالية، شعرًا ونثرًا، والقصة والمسرحية. ثم هناك أخيرًا الأدب الوصفي، وهو ذاته ليس قسمًا كبيرًا أو مهمًّا؛ لأن الوصف في الأدب يرتبط عادة بحاجات التعبير الذاتي أو القصصي، كما يخضع في أغلب الأمر لها.

وينبغي في كل هذا التحليل أن يلاحظ أن هذا التقسيم لا يمكن أن يحدث هكذا بحيث ينفصل الغرض الواحد ويستقلّ استقلالًا تامًّا عن الأغراض الأخرى، فالواقع أن أدب التجربة الشخصية يتداخل في كثير من الحالات في أدب الحياة العامة للإنسان. وكذلك الأمر فيما يختص بالمجالات الأخرى، ولكننا نلجأ إلى هذا التقسيم فقط لغرض عملي تعليمي.

ومنذ عهد "لسنج"١ الناقد الألماني المشهور في القرن الثامن عشر ظهرت فكرة التمييز بين الأنواع الفنية على أساس من النظر إلى الأداة التي تستخدم لإنجاز هذا الفن أو ذاك. وقد افترق الأدب عن غيره من الفنون الأخرى من حيث إنه يستخدم اللغة أداة التعبير, فاللغة في الحقيقة هي أداة التعبير في كل الأنواع الأدبية، ولكنها تختلف كذلك في طريقة استخدام هذه الأداة، فالشعر كالقصص، يستخدم الألفاظ أداة له، ولكن الألفاظ في الشعر تستخدم على نحو مختلف. فجوانب اللغة التي لا يهتم بها كاتب القصة إلا قليلا، لها أهميتها الأساسية عند الشاعر، فالشاعر يستخدم المعنى العقلي للألفاظ، ولكنه كذلك يستخدم علاقاتها وإيحاءاتها وأصواتها وإيقاعها والصور الموسيقية وغيرها مما تكونه الألفاظ حين يرتبط بعضها ببعض. ومع ذلك فمن الواضح أن هذا لا يكفي للتمييز بين الشعر والأشكال الأدبية الأخرى؛ لأن القصة كذلك تستخدم جوانب للغة لا يستخدمها كاتب النثر العلمي الصرف، كالصوت والإيقاع "وألوان" الألفاظ، وإن كان يستخدمها بدرجة أقل من الشاعر. فهل يكون الفرق بين الأدب الشعري والأدب النثري مجرد فرق في الدرجة؟ هل المسألة مجرد كون الإيقاع أكثر انتظامًا، وأن الاعتماد على الإيحاءات والعلاقات وموسيقى الألفاظ أعظم فيه مما هي عليه في النثر؟ وإذا كان الأمر كذلك, فأين يمكن أن نضع الخط الفاصل بين هذين النوعين من التعبير الأدبي؟

من الأفكار التي شاعت في وقت من الأوقات خطأ أن هناك موضوعات تسمى موضوعات شعرية, وأخرى تسمى موضوعات نثرية، فيقال عندئذ: إن هذا الموضوع من


١ جوتهولد إفرايم لسنج Gotthold Ephraim Lessing "١٧٢٩-١٧٨١": ناقد وكاتب مسرحي ألماني، ويعد أول مسرحي ذا شأن في تاريخ الأدب الألماني الحديث.

<<  <   >  >>