أنه لا ينقل إلينا الحياة كما هي نقلا حرفيا. قد نقول: إنه ينقل إلينا فهم الأديب للحياة من خلال تجاربه الشخصية, وهنا نكون قد أدخلنا عنصرًا جديدًا يقوم عليه الأدب، فبجانب الحياة لا بد من "فهم" الأديب لها.
عناصر العمل الأدبي:
هناك إذن عناصر كثيرة تشترك في تكوين العمل الأدبي، فنحن "أولا نجد بطبيعة الحالة العناصر التي تقدمها الحياة ذاتها، تلك التي تمثل المادة الأولية لأي عمل أدبي، سواء أكان قصيدة أم مقالة أم مسرحية أم قصة. ثم هناك العناصر التي يضيفها المؤلف في عملية نقله هذه المادة الأولية إلى هذه الصورة أو تلك من صور الفن الأدبي، وهذه العناصر يمكن أن تقسم تقسيمًا تقريبيًّا إلى أربعة أقسام:
أولًا: هناك العنصر "العقلي"، ويتمثل في الفكرة التي يأتي بها الكاتب ليبني منها موضوعه، والتي يعبر عنها في عمله الفني.
ثانيًا: هناك العنصر "العاطفي"، وهو الشعور "كائنًا ما كان نوعه" الذي يثيره الموضوع في نفسه، والذي يود بدوره أن يثيره فينا.
ثالثًا: هناك عنصر "الخيال" "ويشمل النوع الخفيف الذي نسميه الوهم fancy"، وهو في الحقيقة القدرة على التأمل القوي العميق, وبعمله سرعان ما ينقل إلينا الكاتب قدرة مماثلة على التأمل. وهذه العناصر تجتمع لتقدم للأدب المادة والحياة, ولكن مهما تبلغ المواد التي قدمتها التجربة من الغنى، ومهما يبلغ فكر الكاتب وشعوره وخياله من الجدة، فإن عنصرًا آخر يلزم الكاتب عند الاهتمام بهذه العناصر قبل أن يتمكن من إتمام عمله، فهذه المادة يجب أن تشكل وتهذب وفق مبادئ النظام والتناسق والجمال والتأثير. ومن ثم نجد عنصرًا رابعًا في الأدب هو العنصر "الفني"، أو عنصر "التأليف والأسلوب"١.
هذا معناه أن الأدب يقوم على عناصر بعضها بمثابة "المادة" "الحياة والفكر والخيال والعاطفة"، وبعضها يتحقق في عملية "التكوين" أي: في بناء العمل الأدبي من هذه المادة. وهذا في الواقع تعبير آخر -ولكنه ربما كان أكثر دقة- عما يقسم إليه العمل الأدبي من "محتوى" و"صورة". فإذا كان المقصود بالمحتوى الأفكار والعواطف التي يشتمل عليها العمل الأدبي، فإن الصورة عندئذ تشمل كل العناصر الشكلية التي تعبر عن هذا المحتوى، "ولكننا إذا فحصنا هذا التمييز فحصًا أكثر دقة لرأينا أن المحتوى يدل على بعض عناصر الصورة. فمثلًا: الحوادث المسرودة في الرواية تعد أجزاء من المحتوى،