للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودليل ذلك: ما تقدم من أثر أبي مالك القرظي وفيه: (وإذا تكلم تركنا الكلام) .

وكذلك بعد الخطبة وهذا باتفاق أهل العلم، ولأن الأحاديث الواردة قد قيدها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " والإمام يخطب ".

ومثل ذلك جلوسه بين الخطبتين فيجوز لأحد أن يكلم غيره أثناء ذلك، لأن النهي إنما ورد في حال كونه يخطب، وأما بين الخطبتين فلا بأس بذلك.

وهنا مسائل لم يذكرها المؤلف:

الأولى: النهي عن العبث، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم – في مسلم: (من مس الحصى فقد لغا) ، وقد تقدم أن من لغا كانت جمعته ظهراً.

الثانية: النهي عن الحبوة وهي أن يجلس على أليتيه ناصباً ساقيه وقد وضع على ذلك خيطاً أو يديه.

وقد ورد ما يدل على كراهيتها وهو ما ثبت في الترمذي وحسنه وهو كما قال أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب) .

فإذاً: قبل الخطبة وبعدها وبين الخطبتين لا بأس بالاحتباء أما أثناء الخطبة فإنه ينهى عن ذلك.

وإلى ذلك ذهب ابن المنذر واختاره المجد ابن تيمية والموفق ابن قدامة.

وأما المشهور عند الحنابلة وغيرهم فهو مذهب الجمهور: أنه لا بأس بالاحتباء، واستدلوا: بما رواه أبو داود عن يعلى بن شداد قال: (شهدت مع معاوية بيت المقدس فجمع بنا فإذا جُل من في المسجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والإمام يخطب) لكن الحديث فيه سليمان بن الزبرقان (١) وهو ضعيف.

قالوا: وثبت الأثر عن ابن عمر: (أنه كان يحتبي والإمام يخطب) والسند إليه صحيح، لكن هذا الأثر مخالف بالسنة الصحيحة المتقدمة في كراهية الاحتباء.

فإذن الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب مكروهة.


(١) هو سليمان بن عبد الله بن الزبْرقان، ويقال ابن عبد الرحمن بن فيروز، لين الحديث من السابعة / ق. ا. هـ من التقريب.